السبت، ١ ديسمبر ٢٠٠٧

غلاف كتاب مدينة الأحلام



غلاف كتاب مدينة الأحلام
الناشر الدار القومية للطباعة والنشر

ط
   1963


هونج كونج : المدينة التى لا تنام


نشرت جميع أعمال محمود البدوى فى العنوان


======
هونج كونج المدينة التى لا تنام
" إن المثل الصينى يقول " مشاهدة واحدة تساوى ألف حكاية .. "

وإن مشاهدة واحدة لهونج كونج تساوى كل ما فى العالم من كتب الرحلات ..

إنها المدينة الصينية العجيبة القابعة فى لسان نهر اللؤلؤ ، والتى كان يحتلها الإنجليز والتى استولى عليها اليابانيون فى الحرب الأخيرة فى ثلاثة أيام وسلمت كل الحامية البريطانية التى كانت فيها !
إنها المقاطعة البريطانية التى بينها وبين الصين الشعبية مجرد جسر لايتجاوز خمسة عشر مترا ، يقف عليه من الجانبين أربعة حراس فقط ، وأصابعهم على الزناد !

إن هونج كونج مدينة العجائب فى الدنيا ، المدينة التى ليس لها مثيل ولاضريب .

إنها العروس الراقدة على التل ، تتلألأ بالأنوار ، كما تتلألأ الدرر على صدر الحسناء ، ولا تغمض عينها أبدا ، إنها المدينة التى لاتنام .

إنها المدينة الحية ، تتحرك أمامى الآن بكل جمالها ، وكل فتنتها ، وكل قوتها وأنا أبرز بعض صورها على الأوراق وستظل حية فى ذاكرتى حتى ولو لم أكتب عنها .. لأنها عاشت فى قلبى ..
إنها المدينة التى عاش فيها سومرست موم ، وبرناردشو ، ومثلت فيها جيفنـز جونز ووليم هولدن فيلم روعة الحب !.

إنها الميناء الحر الذى تشترى منه كل بضائع الدنيا من قلم الرصاص إلى اليخت البحرى دون أن تخضع لأى مكوس .

إنها الميناء الذى يذهب اليه الإنجليزى والأمريكى والألمانى ليشترى منتجات بلاده برخص التراب .

إنها المدينة التى تفصل فيها " البدلة " وتلبسها بعد 24 ساعة ، والقميص بعد ست ساعات ، إن بها أحسن " ترزية " فى العالم ، إن " الترزى " هناك يملك المقص الذهبى والسرعة فى عصر الصواريخ .

إنها المدينة التى بها أحسن " شرطى " مظهرا ومخبرا ، ومع هذا فهى تعج بالشحاذين ، ولصوص الجيب الذين لا يشق لهم غبار ، ولا يوجد لهم نظير فى العالم فى الخفة وسرعة العمل ! .

***

لقد ركبت البحر وأنا شاب فى العشرين ، ورأيت أوربا بعين الشباب وقلبه ، وهأنذا أركب الطائرة بعد الأربعين لأرى الشرق ، لأرى الهند والصين واليابان .

لقد رأيت الفضيلة فى الصين ، والشرف ، وسماحة الأخلاق ، والابتسامة المضيئة على الشفاة ، والنظام والعمل ، ورأيت السرعة وقوة الصناعة ، والحضارة الدافقة والجمال الآسر فى اليابان . والاستعمار الذى لا مظهر له والذى تميته قوة الشعب وحيويته .

ورأيت فى الهند الشعب الذى ينفض عنه الغبار ويتحرك ببطء ، ولكنه سيصل حتما إلى بغيته لأنه يحس بحريته وأصبح يعيش .

ورأيت النظافة فى كل هذه البلاد والنظام وسماحة الطبع والتـعاون ، ولم أر معركة واحدة فى الطريق ولا مشاجرة عابرة .

وجلت فى كل الأحياء ، فلم أسمـع كلمة نابية ولا لفظة تحمر لها الخدود ، ولم أر شابا يطارد فتاة ، أو يريها ميوعته وخنوعته .

لقد رأيت الجمال فى الطبيعة وفى الإنسان ، ورأيت الحضارة العريقة والصناعة الحديثة .

ورأيت الآثار الخالدة والقصور الشامخة والمساجد والقباب التى لايستطيع أن يشيد مثلها انسان .

ولقد رحلت وأنا أحمل معى كل أخطائى كبشر ، ولكننى كنت أسمو فى كل الحالات عن كل دنس .

***
إن هونج كونج مدينة صينية ومرفأ كبير وهى مستعمرة بريطانية منذ سنة 1841 ومساحتها 395 ميلا مربعا ، ويدخل فى هذا الحساب جزيرة هونج كونج نفسها وكولون والجزر الصغيرة المحيطة ..

وهى على مبعدة 90 ميلا جنوب كانتون أول مدن الصين الشعبية الكبرى ، وميناء هونج كونج يشغل مساحة قدرها 17 ميلا مربعا وهو من أعظم الموانى فى العالم حركة ، فقد أفرغ فيه فى العام الماضى 5و25 مليون طن من البضائع عن طريق النهر والمحيط ، وعبر هذا الميناء مليون وثلثمائة ألف سائح وعدد سكانها 75و2 من المليون ولكنك تحس بمجرد أن تدخل أن بها 20 مليونا على الأقل يتحركون فى شوارعها ..

إن فى طرقاتها 30 ألف سيارة تاكسى ، وأجر التاكسى فى كولون دولار عن الميل الأول ، وبعد ذلك 8 سنتات لكل ميل ، وفى هونج كونج دولار ونصف الدولار عن الميل الأول ، وبعد ذلك دولار عن كل ميل ، وبها 744 أتوبيس وأجر الأتوبيس عشرة سنتات عن المسافة الصغيرة وعشرون سنتا عن الجولة الطويلة ، والسبب فى الفرق أن التاكسى فى كولون لثلاثة أشخاص وفى هونج كونج لأربعة ..

وهذه العربات تنقل 307 ملايين من الركاب سنويا ..

منها 138 عربة ترام تحمل 158 مليون راكب فى السنة ..

وهناك 80 بنكا كبيرا من بنوك المال فى المدينة و 170 شركة تأمين و 1200 مدرسة وجامعة واحدة ، لأن الإنجليز لا يحبون الجامعات فى مستعمراتهم ولا يشجعون على وجودها ..

إن الجامعة هى الشعلة التى تحمل نار الحرية ! ..

والبوليس فى هونج كونج مثالى فى نظافة الملبس ، وروعة المظهر ، والكياسة وحسن التصرف ، والذى تحت نمرته علامة حمراء يجيد الإنجليزية ، والمطار على مبعدة أربعة أميال فقط من كولون ..

ولقد هبطت الطائرة أرض المطار فى الساعة السابعة صباحا ، ولم تفتح لنا حقيبة واحدة فى الجمرك ولم نلاق أية مشقة ، وكانت الموظفة المكلفة بالمراقبة الصحية أنيقة وجميلة وترتدى ثوبا أنصع وأشد بياضا من وجهها ، نظرت إلى الأوراق الصحية ثم تركتنا نمر بابتسامة مشرقة إلى بوليس الجوازات ، وبعد ثلاث دقائق كنا خارج المطار .

***

دخلنا المدينة ، عندما تدخل هونج كونج تشعر بهزة ، إنها لاتستقبلك بالدخان والفحم وعرق الحمالين ، لا ، إن المدينة ضاحكة وكثيرة الحركة ، وتشعرك بالقوة وبالحيوية الكامنة فيها بمجرد أن تتنسم أول أنفاسها .

إن شوارعها مرصوفة ، ولامعة ، ونظيفة ، وهى ليست كثيرة الاتساع ، يشعرك بهـذا أكثر علو المبـانى من الجانبين ، وبالشوارع " التاكسى " والسيارات الكبيرة والترام ذو الطابقين ، وفى كل دقيقة تمر سيارة ، وعندما تترك مطار تادتاك ، لاتدخل هونج كونج ، وإنما كاولون ، فإن هونج كونج على العدوة الأخرى من الخليج ، ولابد أن تركب إليها الباخرة .

وفى كاولون ترى كل أجناس الأرض ، الأمريكى والإنجليزى واليابانى والصينى .

إنهم يسيرون فى سرعة ، وإذا عبرت الشارع خطأ فى غير نقطة المرور ، تتوقف العربات والسيارات من أجلك .

وتتوقف حركة المرور كلية إذا خرج الأطفال من المدرسة إلى الطريق .

إن كل العربات لا تسرع فى هونج كونج ، ولا فى كل مدن الصين .. إن السرعة لا تزيد على 35 كيلو متر فى الساعة مهما تكن الأحوال ..

إن البناية فى المدينة عالية ، والعمارات ضخمة ، وطرازها أوربى بحت ، إنها ليست كمدن الصـين . وبكاولون فنادق ضخمة ، ومسارح ، ودور سينما ، ومتاجر ، ولكن الحركة كلها فى هونج كونج بعد أن تعبر الخليج .

إن كاولون هادئة ، تنظر إلى الحسناء الراقدة على الشط الآخر فى إعجاب ووله .

إن حركة التجارة كلها وبيوت المال كلها فى هونج كونج ، وفى كاولون الفنادق التى تستقبل السائحين من الطائرة ومن الميناء .

وفى كولون فندق بنسيولا ، وجولدن جان ، وارستى ، وميراما ، وكارلتون ، وجراند هوتيل ، ومتوسط الأجر 40 دولارا فى الليلة :
الدولار يساوى ستة قروش تقريبا ، وبمثل هذا الأجر تستطيع أن تأكل طول النهار ..

إن الحياة فى هذه الفنادق ليست رخيصة ، لكن إذا قستها بالفنادق مثيلاتها فى مصر وفى أوربا وجدتها أرخص ، لأنها من أحسن طراز .

إن الغرف بهذه الفنادق مكيفة ، وبها تليفون ، وراديو ، وحمام خاص وخدمة ممتازة ونظافة لا حد لها ..

وفى هذه الفنادق قاعات كبيرة للرقص ، ومسارح ، وأندية ليلية ..

وأنت تستطيع أن تعيش فى كاولون شهرا أو بعض شهر ، فإنه لاينقصك فيها شىء ، ولكن لابد أن ترى هونج كونج إنك تراها فى الليل متلألئة بالأنوار ، وساهرة على سفح التل ، وبيوتها تتناثر كحبات اللؤلؤ وبعضها يسبح بقدميه فى الماء ، إن هذه المدينة الجميلة لاتنام .

إنك تركب الباخرة إليها وتدفع عشرين سنتا فى الدرجة الأولى وعشرة فى الدرجة الثانية ، وتقطع الباخرة المسافة فى ربع ساعة ، والباخرة فخمة ومقاعدها مريحة :
الدرجة الأولى فى الطابق الأعلى والثانية فى الأسفل ..

وبمجرد أن تقع رجلك على رصيف هونج كونج تروعك السرعة الخاطفة للناس والسيارات والعربات .

إن الشوارع الرئيسية فى هونج كونج هى كوين رود ، انهان رود ، دى فو ، رود شتر رود ، كونون رود ، شتر رود ..

وفى هذه الشوارع كل شىء فى المدينة ، كل بنوك المال ، وكل المتاجر الكبرى والصغرى ، وكل محال الجواهر ، وكل الذهب والماس وعقود اللؤلؤ .. ومحال الجواهر يحرسها الحراس بالبنادق فى رائعة النهار !!

إن البوليس فى هونج كونج مثالى كما حدثتك ، ولكن العصابات ، واللصوص والنشالين ، والشحاذين فى هونج كونج تروى عنهم الأساطير ..

إنهم يستقبلونك على الرصيف وفى الأزقة بأسنانهم الذهبية الصفراء ، ويستقبلونك بعربة الركشا أحيانا ، وقد تركب العربة وتتنزه ، ويجدك الجندى بعد ساعة مجردا من ملابسك ، وملقى تحت شجرة ..

إن مدينة الجمال ، فيها كل ما يخطر على البال من مفاتن ، ولكن لكل شىء ثمنه .

***
والمرأة فى هونج كونج متأنقة معطرة ، وترى فى الشوارع الجاليات الإنجليزية والأمريكية ، وأحيانا ترى الهنديات واليابانيات أيضا .

***
وهونج كونج مدينة تجارية ، وفيها صحافة متقدمة ، ولكن ليس فيها أدب . إن جريدة جنوب الصين تصدر فى 24 صفحة وتباع بثلاثين سنتا وفيها كل ما يطلبه القارىء ..

وهى مبوبة تبويبا حسنا ومطبوعة أحسن طباعة ، ومخرجة إخراجا متقنا ، ولكن بعد الصحافة لا يوجد أدب ..

لايوجد عشاق للأدب فى هونج كونج ، ولافراغ للناس للقراءة والتأمل . إن هونج كونج كلها ليس فيها سوى بضع مكتبات قليلة لبيع الكتب ، والمكتبات تنسيقها بديع ، فهنا الكتب الواردة من المانيا ، وهنا الكتب الروسية ، وهنا الكتب الأسبانية ، وما أقل الشارين ..

إن فراغ الناس لايتسع للقراءة ، ولكنه يتسع للهو ..

إن جامعة هونج كونج الوحيدة تقوم على ربوة عالية ، وفى مكان هادىء جميل ، وبناياتها كثيرة المعامل ، وبخاصة كلية الطب وكلية العلوم .

والطلبة يتمتعون بأجمل المناظر حولهم ، وبانقطاعهم عن ضجيج المدينة وضجتها وتفرغهم للعلم ولكنها جامعة واحدة ، فى بلد تعداده يقرب من ثلاثة ملايين .

***
التاجر الصينى
إن الصينى فى هونج كونج من سن العاشرة يعشق التجارة ، وربحها ، إن التجارة فى دمه ، وهو أبرع تاجر فى الوجود ، ويتميز بخصال ثلاث :

الدماثة ، والابتسامة المشرقة ، وشعوره الداخلى بأنه ليس فى حاجة إليك أشتريت أو لم تشتر سيان .

فهو يستقبلك ويودعك بالابتسامة نفسها ، وبالوداعة نفسها ، وهذا يجعل كل العابرين يشترون حاجاتهم من هونج كونج .
إنهم تجار والتجارة فى دمهم .

ولهذا يتأنقون فى حوانيتهم ، ويعرضون البضاعة بطريقة فنية ، تدل على ذوق وبراعة ، ومتاجرهم متصلة فى كل شارع .

وهناك محال كبيرة تبيع البضائع الإنجليزية وحدها ، فى كولون ، وهونج كونج ، كما أن للصين الشعبية متجرا كبيرا فى هونج كونج يعرض منتجاتها ويبيعها بأقل من أسعار الصين ..

هونج كونج

والمتاجر فى هونج كونج كبيرة ، وتشغل المركز الرئيسى فى المدينة وفى شوارع دى فو ، وكوين رود محال تجارية فخمة من ثمانية وتسعة أدوار ، وتصعد إليها بالسلم الصاعد ، تقف على أول درجة ، والسلالم هى التى تصعد بك إلى الطابق الذى تبغيه ..

وهذه المحال أنيقة ومنسقة تنسيقا رائعا ، وواجهاتها تجذبك إلى داخلها ، وأهم هذه المحال Lane crawfercl بشارع دى فو و White Ways بشارع دى فو أيضا ، ومحال Chaina Emhorium بشارع كوين رود ..

وفى هذه المحال كل ما تحتاجه وأسعارها محدودة ..

أما المحال التجارية الصغيرة التى فى طول هونج كونج وعرضها ، فعليك أن تساوم البائع ، وهو يشتط فى الطلب عادة ، ويطلب للشىء ضعف ثمنه ، وثلاثة أضعافه ، والحوار معه ممتع للغاية ..

والصينى بطبعه مهذب ووديع ، وهو فى هونج كونج تاجر بلحمه ودمه من سن العاشرة ، فليس فى هذه المقاطعة البريطانية كلها أناس إلا التجار والصناع فى هونج كونج ، والفلاحون فى الضواحى والأراضى على امتداد شريط السكة الحديدية إلى Lowu الحد الفاصل بينها وبين الصين الشعبية ثم الصيادون فى أبردين ..

ولكنك تلاحظ التجارة أمامك كأنها عصب الحياة فى المدينة ، على طول الشوارع الرئيسية فى هونج كونج المحال الصغيرة والكبيرة ، واللافتات مكتوبة باللغة الصينية واللغة الإنجليزية ، وكل محل من هذه المحال يبذل كل جهده وفنه فى اجتذاب الجمهور ، بالعرض الخارجى ، والأنوار الساطعة ، وبالأسعار المغرية .

والتاجر الصينى صبور ومهذب ، فهو يقلب لك المحل رأسا على عقب ويأتى بآلاف الأشياء من الداخل لتشترى شيئا بسيطا ، أو لاتشترى على الإطلاق ، الأمر سيان ، يظل مبتسما وادعا ، وإذا قلت له إنك ستمر غدا ، أحنى رأسه ، وكذلك إذا قلت له إنك لم تغير العملة بعد ..

وتغيير العملة فى هونج كونج من أسهل الأشياء ، فلا داعى لأن تذهب إلى البنك وتقدم جواز السفر ، فالصيارفة كثيرون فى كل الشوارع وداخل المحال التجارية ، تجد الصراف يغير لك كل ما معك من عملة بسرعة فى دقيقة واحدة يأخذ منك ويعطيك دون أن يرى حتى وجهك ، ويقبل كل شىء ، كل أنواع النقود حتى العملة الزائفة ، ومحالهم صغيرة وأنيقة :
الشبابيك المعدنية المذهبة ، وطاولة الرخام المصقول ، والتليفون ، و " السكرتيرة " الحسناء ، وخريطة العالم دائرة بكل أنواع العملات ..

وإذا ذهبت إلى البنك قد تأخذ أكثر مما يعطيك هذا الصراف ، ولكنك تذهب إليه هو لأن منظره يغريك ولأنه لا يسألك عن شىء ، ولا يعرف حتى جنسيتك ..

والدولار الهونج كونجى بستة قروش مصرية ، وبهذه القروش الستة تفعل أشياء كثيرة :
تشرب القهوة فى مشرب صينى ، وتستمع إلى الموسيقى ، وتقدم لك الفنجان حسناء من مواليد هونج كونج ، تعطيها ما تبقى من الدولار كبقشيش ..

وتركب به تاكسى إلى الفندق ، وتشترى به علبة سجاير ..

أو تشرب منه فنجان شاى بخمسين سنتا وتشترى جريدة " جنوب الصين " بثلاثين سنتا ، وبالعشرين الباقية تركب الباخرة فى الدرجة الأولى وتدور دورة فى المحيط ، تقرأ وتشم هواء البحر وتتمتع بمناظر الطبيعة التى حولك ، وتستطيع بالدولار أن تدخل السينما من الدرجة الثالثة لترى صدر سيلفانا بنيانيتى وسيقان آفا جاردنر ، من غير مقص الرقيب على أن تجلس فى الصالة ، ولا تستطيع بالدولار أن تنظر أو تشترى كتابا ، أو حتى مجلة غير مصورة ..
الفنادق


والفنادق فى هونج كونج كبيرة ، وفيها الطعام الصينى والطعام الأوربى ، والخدمة ممتازة ، وللطعام مواعيد ، فإذا أغفلتها قد تنام من غير عشاء ، أو تذهب لتأكل فى الخارج . وإذا خرجت إلى الطريق ترى المطاعم الشعبية وبها الأرز ، والسمك ، وكل أنواع اللحوم ، والكرشة ، والشوربة ، والكبدة المحمرة .

وهذه المطاعم كثيرة ورخيصة ومنظرها يسيل له لعابك ، وترى فى الشوارع الرئيسية المطاعم المختلفة التى تقدم كل أكلات العالم : المطعم الصينى ، والمطعم الروسى ، والمطعم الأسبانى ، والمطعم الفرنسى ، والمطعم الألمـانى ، ولكن لاتنسى وأنت تأكل فيها أن الطـاهى صينى أصيل .

وتجد الساقية تحاول أن تبدو لك كالروسية أو الفرنسية ، وفى هذه المطاعم تسمع الموسيقى الأجنبية أو الصينية ، وترى جهاز التليفزيون أمامك يعرض مسرحية أو أوبرا .

ومعظم الخدم فى فنادق هونج كونج الكبرى من الشبان ، والنساء قليلون جدا يقمن فقط بتغيير الفراش والعمل فى المطعم ، والصبيان يعملون فى الأسانسير ، وهم فى خفة القطط ، ويحييك فى الصباح والمساء ويده على " زر " الأسانسير . .
صباح الخير ، مساء الخير .

وهو ينتظر منك البقشيش حتما ، والذى يحمل لك الحقيبة الصغيرة إلى غرفتك ينتظر منك البقشيش أيضا ، ولابد أن تعطيه دولارا ..

وفى بعض الفنادق مراقص ، وأندية ليلية تظل ساهرة إلى الصباح ، وفى أسفل الفندق تجد متجرا كبيرا وفيه كل ما يحتاجه المسافر من بضائع وسلع ..

***

والمحال التجارية فى هونج كونج تعمل من الساعة العاشرة صباحا إلى العاشرة مساء ، دون توقف فى الظهيرة ، ودون عطلة فى يوم الأحد أو السبت . وبعض المحال الكبيرة تغلق بعد ظهر الأحد فقط ، كما أن بعض المحال تغلق أبوابها يوما فى الساعة السابعة مساء .

والبنوك والشركات تعمل من التاسعة صباحا إلى الخامسة مساء ، وهناك فترة راحة فى الظهر للغداء .

وتجد سيول الموظفين خارجة بعد الخامسة مساء من هذه المحال ومتجهة إلى الميناء ، وكثير منهم يسكن فى كاولون .

ونصف العدد وأكثر منه من النساء ، وتجدهن أنيقات فى الملبس ، سريعات الحركة ، ولعل الجيب المشقوق يساعد على المشى السريع .

والصينية لينة الطبع رقيقة الصوت حلوة التقاطيع ، أنيقة الملبس ، وهى تدير المطعم والحانة ، وتعمل ساقية ، وعاملة تليفون ، وخادما فى الفندق ، وفلاحة فى المزارع ، ومضيفة فى الطائرة ، وأما فى البيت ، وبائعة تجيد الحديث بالإنجليزية .

كما أنها راقصة ، وممثلة فى الأوبرا ، وفتاة فى الحان .. كل هذا فى هونج كونج .

السينما

السينما فى هونج كونج تبدأ من الحادية عشرة صباحا فى " سينمات " الدرجة الثانية ، أما " سينمات " الدرجة الأولى فتبدأ عملها من الساعة الثانية والنصف ، وهناك حفلة أخرى فى الساعة الخامسة والنصف وحفلة فى الساعة السابعة والنصف وحفلة أخيرة فى الساعة التاسعة والنصف ..

وأسماء السينمات متشابهة فى كل العالم : سينما الهامبرا ، وسينما برودواى ، وسينما روكسى ، وسينما أستا ، وسينما الحرية ، وسينما متروبول ، والأفلام معظمها أمريكى ، ونادر أن يعرض فيلم صينى .

والسينما مزدحمة والكراسى مريحة ، والجمهور مهذب ، لايحدث تقبيل فتاة فى الظلام ، ولا تسمع كلمة نابية والتدخين ممنوع كلية . والمراقص الليلية جوها غريب ، وتعبق بالدخان والخمر ، والموسيقى الناعمة ، وهى مصيدة لإفراغ ما فى الجيوب ، وجذب السائحين إلى شىء تصوره الخمر ..

وتجلس بجانبك فتاة تشرب كأسين من الشمبانيا ، وبعد ساعة تدفع خمسة جنيهات وتخرج ، وتدرك فى الطريق أنها لم تكن جميلة على الاطلاق وأنها شربت ماء ..

حى أبردين

هو حى تصل إليه بعد عشرين دقيقة بالسيارة ، وهو حى الصيادين فيه 100 الف صياد يعيشون فى زوارق فى الماء ، وفى أكواخ ومنازل صغيرة على الشاطىء ، وحرفتهم صيد السمك .

والنساء يستقبلنك بالقبعات العريضة ، والأسنان الذهبية ، وهن اللواتى يحركن المجاديف ، وينقلنك إلى الذهبية التى ستتناول فيها طعام الغداء وسط الماء .

وتجد فى هذه الزوارق الفتيات من سن العاشرة يعملن ويربحن لأسرهن ، ويوصلنك بالزورق إلى السفينة وهى من طابقين ، ويذهب إليها السائحون للنـزهة والتمتع بمنظر الصيادين الغريب ، وتناول أكلة شهية من المطبخ الصينى المشهور بجودة طعامه فى العالم أجمع .

إن الطباخ الصينى يستطيع أن يصنع لك مائة صنف من لحم العجول وحده ، ومائة صنف من السمك .

وفى السفينة وسط الماء ، والجو الشعرى الحالم ، أكلنا أصنافا متعددة من السمك ، والجمبرى ، والأرز ، والبطاطس المحمرة ، واللحم المقدد ثم الشوربة وهى آخر الطعام ..

وشربنا الشاى الخالص ، ودخنا فإن التدخين غير ممنوع فى السفينة ..

ورأينا السائحين الأجانب بجوارنا من كل جنس ولون ، وبعد أن استرحنا نهضنا عن المائدة ..

ووقف قبطان السفينة " مدير المطعم " يودعنا على المرساة بتحية وأدب ، وركبنا الزورق الذى جاء بنا ، وفيه فتاتان صغيرتان تجدفان ، وامرأة على الدفة ..

وعندما خرجنا من الماء ، التف حولنا أكثر من خمسين صائدة يطلبن البقشيش ، وهن من كل الأعمار ، وعلى وجوههن لفحة الشمس ، وأثر الجوع ..

***

الترام الصاعد

إن الترام الكهربى الصاعد peak tram يصعد بك إلى هضبة هونج كونج نظير 60 سنتا لهذه الجولة الممتعة ، ومن سنة 1888 وهذا الترام يتحرك ، إنه يريك أجمل مناظر هونج كونج . البيوت البيضاء على التلال الزمردية ، والخليج من تحتك ، والسفن تسبح كأنها مراكب الأطفال ، والهواء الحالم يصافح قلوب العشاق فى أعلى الربوة .

إذا ذهبت هناك فى الليل فستقف مبهورا وأنت تعجب لكل ما صنع الإنسان .

وإذا ذهبت فى النهار ، ستعتمد على السياج الحديدى فى البرج وتسبح عيناك فى بحر من الجمال ليس له أول ولا آخر ، وستلعن معى كل الذين يثيرون الحروب فى العالم وكل الذين يشوهون جمال الطبيعة وجمال الإنسان .

وتجلس فى المقهى الصغير ، تشرب القهوة ، أو عصير البرتقال ، وأنت تحس بالدفء ، وحرارة الشمس الساطعة فى شهر ديسمبر .

وتركب السيارة وأنت نازل من الربوة ، لترى كل معالم المدينة وكل طرقاتها الجميلة وكل المستشفيات والمدارس .

وتمر بالشاطىء المخصص لاستحمام الإنجليز وحدهم ، وتراه مهجورا ، ليس فيه إلا إنجليـزية واحدة مستلقية على الرمال وفى فخذيها ، وساقيها الشعر ، ورجل يجلس بعيدا ، يدخن الغليون .
تترك هذا كله وراءك سريعا وتدخل شاطىء استانلى .

شاطىء استانلى

إن حى استانلى فى هونج كونج هو حى الفقراء ، ضاحية تخرج لسانها فى الماء ، وسكانها صينيون خلص يعيشون على صيد السمك ، عيشة هادئة بسيطة .

وترى القرية برغم البساطة والفقر نظيفة والشوارع ضيقة ومرصوفة ، والبيوت من طابق واحد ، وأمام كل بيت حنفية ، والماء يجرى فى مجراة صغيرة إلى البحر .

وترى السوق ملآنة ، والدكاكين الصغيرة على جانبى الشارع فيها كل أصناف البضائع الشعبية ، وفى الشارع الرئيسى فى القرية أكثر من حانة ، وأجزخانة كاملة وبها فتاة تتحدث بكل اللغات .

وتجد فى نهاية الصف الذى فيه البيوت النساء جالسات يغسلن ملابس الرجال ، والرجل عادة يذهب ليصيد السمك من الفجر .

وإذا اشتهيت السمك تستطيع أن تأكل هناك وجبة شهية رخيصة من السمك المسلوق والسمك المشوى والأرز والشوربة الساخنة ، نظير خمسة وعشرين قرشا ..

وتركب بعد ذلك السيارة عائدا إلى المدينة .

كاولون

وقد تمزق جيب سترتى وأنا أخرج مندفعا من سيارة تاكسى فى كاولون ولم يكن معى بدلة سواها ، فقررت أن أصلحها فى الحال وسرت فى المدينة التى أصبحت أعرف كل شبر فيها ، وانحدرت إلى شارع جانبى حيث قدرت أن أجد " رفاء " ووجدته بعد ربع ساعة فعلا ، وكان فى مدخل إحدى العمارات ، وأريته السترة الممزقة فقال مبتسما :

ـ اذهب إلى الفندق وأرسلها لى ..
ـ إنى لا أقيم فى أى فندق ، مجرد سائح عابر ، خرج من المطار ليجول فى المدينة ، وسأطير إلى طوكيو بعد ساعتين ..
ـ ستجد هناك أمهر الصناع فى العالم أجمع .
ـ ولكن السترة تمزقت هنا وسأرتقها هنا ..


فأشرق وجهه وقال :
ـ إذن اخلعها وسآخذ دولارا ونصف دولار ..
فقلت فى سرى " أى رخص " إن الدولار الهونج كونجى هو دولار أمريكى فى الواقع

وأخرجت ما فى جيوبى وخلعتها وناولتها إياه فقال الرجل مبتسما وهو ينظر فى ساعته :
ـ ستخلص بعد نصف ساعة ..

ولم يكن بجوارى مقعد ولم يكن هو يستطيع أن يجلب لى كرسيا ، ووجدته ينظر إلى الداخل كأنه يبحث عن شىء فقلت له :
لاتشغل نفسك ، سأسلى نفسى بمنظر العابرين فى الطريق ..
فعاد إلى عمله ..

وأخذ السكان يهبطون من العمارة ، ويصعدون اليها ، وأنا واقف فى مكانى دون أن يسترعى منظرى فضولهم . كانت النسوة يصعدن بالخضار ، وما تسوقنه من السوق ، والرجال ينـزلون إلى عملهم ..

وسمعت حركة باب يفتح فى الداخل ، ورفع " الرفاء " رأسه ، وتحدث بالصينية مع شخص لم أره ، ثم قال لى :
ـ تفضل استرح فى الداخل ، إن الوقفة ستطول ..

فتلفت إلى حيث يشير ، فوجدت شابا يدعونى إلى داخل شقة أرضية ، وكان يتكلم بانجليزية قليلة ، فسلمت عليه ، وجلست فى مدخل الشقة ، قريبا من الباب المفتوح ..

وكنت أتصور أن البيت هو سكن الرفاء ، ولكن عرفت بعد الحديث القصير أن البيت هو بيت الشاب ، وأنه ذاهب لعمله الآن فى هونج كونج ، ولهذا سيضطر لتركى مع اسرته ، وحملت إلى من الداخل فتاة فى العشرين الشاى ، ونظرت اليها ، كانت خجلى ومن عينيها يطل الطهر ، فنظرت متعجبا ، أهذه هى المرأة التى أراها فى الليل ، أم أنا مخدوع ؟ لم تكن الفتاة تعرف غير لغتها ، فابتسمت وانسحبت وهى تحيينى ، وأدركت أن هذه هى الصينية فى البيت ، ورأيت ، وأنا خارج ، أمها ، كانت قصيرة ، ولايزال شعرها أسود ، برغم كبر السن ، ابتسمت وأحنت رأسها .

وكان الشاب قد ترك لى عنوان المتجر الذى يشتغل فيه ، فقررت أن أزوره فى هونج كونج فى اليوم التالى ..

وارتديت سترتى وخرجت إلى الطريق ..
====================================




هونج كونج : المدينة التى لا تنام




اعضاء البعثة فى عام 1957




هونج كونج المدينة التى لا تنام


" إن المثل الصينى يقول " مشاهدة واحدة تساوى ألف حكاية .. "

وإن مشاهدة واحدة لهونج كونج تساوى كل ما فى العالم من كتب الرحلات ..

إنها المدينة الصينية العجيبة القابعة فى لسان نهر اللؤلؤ ، والتى كان يحتلها الإنجليز والتى استولى عليها اليابانيون فى الحرب الأخيرة فى ثلاثة أيام وسلمت كل الحامية البريطانية التى كانت فيها !

إنها المقاطعة البريطانية التى بينها وبين الصين الشعبية مجرد جسر لايتجاوز خمسة عشر مترا ، يقف عليه من الجانبين أربعة حراس فقط ، وأصابعهم على الزناد !

إن هونج كونج مدينة العجائب فى الدنيا ، المدينة التى ليس لها مثيل ولاضريب .

إنها العروس الراقدة على التل ، تتلألأ بالأنوار ، كما تتلألأ الدرر على صدر الحسناء ، ولا تغمض عينها أبدا ، إنها المدينة التى لاتنام .

إنها المدينة الحية ، تتحرك أمامى الآن بكل جمالها ، وكل فتنتها ، وكل قوتها وأنا أبرز بعض صورها على الأوراق وستظل حية فى ذاكرتى حتى ولو لم أكتب عنها .. لأنها عاشت فى قلبى ..

إنها المدينة التى عاش فيها سومرست موم ، وبرناردشو ، ومثلت فيها جيفنـز جونز ووليم هولدن فيلم روعة الحب !.

إنها الميناء الحر الذى تشترى منه كل بضائع الدنيا من قلم الرصاص إلى اليخت البحرى دون أن تخضع لأى مكوس .

إنها الميناء الذى يذهب اليه الإنجليزى والأمريكى والألمانى ليشترى منتجات بلاده برخص التراب .

إنها المدينة التى تفصل فيها " البدلة " وتلبسها بعد 24 ساعة ، والقميص بعد ست ساعات ، إن بها أحسن " ترزية " فى العالم ، إن " الترزى " هناك يملك المقص الذهبى والسرعة فى عصر الصواريخ .

إنها المدينة التى بها أحسن " شرطى " مظهرا ومخبرا ، ومع هذا فهى تعج بالشحاذين ، ولصوص الجيب الذين لا يشق لهم غبار ، ولا يوجد لهم نظير فى العالم فى الخفة وسرعة العمل ! .

***

لقد ركبت البحر وأنا شاب فى العشرين ، ورأيت أوربا بعين الشباب وقلبه ، وهأنذا أركب الطائرة بعد الأربعين لأرى الشرق ، لأرى الهند والصين واليابان .




حى أبردين حى الصيادين فى هونج كونج


لقد رأيت الفضيلة فى الصين ، والشرف ، وسماحة الأخلاق ، والابتسامة المضيئة على الشفاة ، والنظام والعمل ، ورأيت السرعة وقوة الصناعة ، والحضارة
الدافقة والجمال الآسر فى اليابان . والاستعمار الذى لا مظهر له والذى تميته قوة الشعب وحيويته .



فى الهند

ورأيت فى الهند الشعب الذى ينفض عنه الغبار ويتحرك ببطء ، ولكنه سيصل حتما إلى بغيته لأنه يحس بحريته وأصبح يعيش .

ورأيت النظافة فى كل هذه البلاد والنظام وسماحة الطبع والتـعاون ، ولم أر معركة واحدة فى الطريق ولا مشاجرة عابرة .

وجلت فى كل الأحياء ، فلم أسمـع كلمة نابية ولا لفظة تحمر لها الخدود ، ولم أر شابا يطارد فتاة ، أو يريها ميوعته وخنوعته .

لقد رأيت الجمال فى الطبيعة وفى الإنسان ، ورأيت الحضارة العريقة والصناعة الحديثة .

ورأيت الآثار الخالدة والقصور الشامخة والمساجد والقباب التى لايستطيع أن يشيد مثلها انسان .

ولقد رحلت وأنا أحمل معى كل أخطائى كبشر ، ولكننى كنت أسمو فى كل الحالات عن كل دنس .

***
إن هونج كونج مدينة صينية ومرفأ كبير وهى مستعمرة بريطانية منذ سنة 1841 ومساحتها 395 ميلا مربعا ، ويدخل فى هذا الحساب جزيرة هونج كونج نفسها وكولون والجزر الصغيرة المحيطة ..


وهى على مبعدة 90 ميلا جنوب كانتون أول مدن الصين الشعبية الكبرى ، وميناء هونج كونج يشغل مساحة قدرها 17 ميلا مربعا وهو من أعظم الموانى فى العالم حركة ، فقد أفرغ فيه فى العام الماضى 5و25 مليون طن من البضائع عن طريق النهر والمحيط ، وعبر هذا الميناء مليون وثلثمائة ألف سائح وعدد سكانها 75و2 من المليون ولكنك تحس بمجرد أن تدخل أن بها 20 مليونا على الأقل يتحركون فى شوارعها ..

إن فى طرقاتها 30 ألف سيارة تاكسى ، وأجر التاكسى فى كولون دولار عن الميل الأول ، وبعد ذلك 8 سنتات لكل ميل ، وفى هونج كونج دولار ونصف الدولار عن الميل الأول ، وبعد ذلك دولار عن كل ميل ، وبها 744 أتوبيس وأجر الأتوبيس عشرة سنتات عن المسافة الصغيرة وعشرون سنتا عن الجولة الطويلة ، والسبب فى الفرق أن التاكسى فى كولون لثلاثة أشخاص وفى هونج كونج لأربعة ..

وهذه العربات تنقل 307 ملايين من الركاب سنويا ..

منها 138 عربة ترام تحمل 158 مليون راكب فى السنة ..

وهناك 80 بنكا كبيرا من بنوك المال فى المدينة و 170 شركة تأمين و 1200 مدرسة وجامعة واحدة ، لأن الإنجليز لا يحبون الجامعات فى مستعمراتهم ولا يشجعون على وجودها ..

إن الجامعة هى الشعلة التى تحمل نار الحرية ! ..

والبوليس فى هونج كونج مثالى فى نظافة الملبس ، وروعة المظهر ، والكياسة وحسن التصرف ، والذى تحت نمرته علامة حمراء يجيد الإنجليزية ، والمطار على مبعدة أربعة أميال فقط من كولون ..

ولقد هبطت الطائرة أرض المطار فى الساعة السابعة صباحا ، ولم تفتح لنا حقيبة واحدة فى الجمرك ولم نلاق أية مشقة ، وكانت الموظفة المكلفة بالمراقبة الصحية أنيقة وجميلة وترتدى ثوبا أنصع وأشد بياضا من وجهها ، نظرت إلى الأوراق الصحية ثم تركتنا نمر بابتسامة مشرقة إلى بوليس الجوازات ، وبعد ثلاث دقائق كنا خارج المطار .

***

دخلنا المدينة ، عندما تدخل هونج كونج تشعر بهزة ، إنها لاتستقبلك بالدخان والفحم وعرق الحمالين ، لا ، إن المدينة ضاحكة وكثيرة الحركة ، وتشعرك بالقوة وبالحيوية الكامنة فيها بمجرد أن تتنسم أول أنفاسها .

إن شوارعها مرصوفة ، ولامعة ، ونظيفة ، وهى ليست كثيرة الاتساع ، يشعرك بهـذا أكثر علو المبـانى من الجانبين ، وبالشوارع " التاكسى " والسيارات الكبيرة والترام ذو الطابقين ، وفى كل دقيقة تمر سيارة ، وعندما تترك مطار تادتاك ، لاتدخل هونج كونج ، وإنما كاولون ، فإن هونج كونج على العدوة الأخرى من الخليج ، ولابد أن تركب إليها الباخرة .

وفى كاولون ترى كل أجناس الأرض ، الأمريكى والإنجليزى واليابانى والصينى .

إنهم يسيرون فى سرعة ، وإذا عبرت الشارع خطأ فى غير نقطة المرور ، تتوقف العربات والسيارات من أجلك .

وتتوقف حركة المرور كلية إذا خرج الأطفال من المدرسة إلى الطريق .

إن كل العربات لا تسرع فى هونج كونج ، ولا فى كل مدن الصين .. إن السرعة لا تزيد على 35 كيلو متر فى الساعة مهما تكن الأحوال ..

إن البناية فى المدينة عالية ، والعمارات ضخمة ، وطرازها أوربى بحت ، إنها ليست كمدن الصـين . وبكاولون فنادق ضخمة ، ومسارح ، ودور سينما ، ومتاجر ، ولكن الحركة كلها فى هونج كونج بعد أن تعبر الخليج .

إن كاولون هادئة ، تنظر إلى الحسناء الراقدة على الشط الآخر فى إعجاب ووله .

إن حركة التجارة كلها وبيوت المال كلها فى هونج كونج ، وفى كاولون الفنادق التى تستقبل السائحين من الطائرة ومن الميناء .

وفى كولون فندق بنسيولا ، وجولدن جان ، وارستى ، وميراما ، وكارلتون ، وجراند هوتيل ، ومتوسط الأجر 40 دولارا فى الليلة :
الدولار يساوى ستة قروش تقريبا ، وبمثل هذا الأجر تستطيع أن تأكل طول النهار ..

إن الحياة فى هذه الفنادق ليست رخيصة ، لكن إذا قستها بالفنادق مثيلاتها فى مصر وفى أوربا وجدتها أرخص ، لأنها من أحسن طراز .

إن الغرف بهذه الفنادق مكيفة ، وبها تليفون ، وراديو ، وحمام خاص وخدمة ممتازة ونظافة لا حد لها ..

وفى هذه الفنادق قاعات كبيرة للرقص ، ومسارح ، وأندية ليلية ..

وأنت تستطيع أن تعيش فى كاولون شهرا أو بعض شهر ، فإنه لاينقصك فيها شىء ، ولكن لابد أن ترى هونج كونج إنك تراها فى الليل متلألئة بالأنوار ، وساهرة على سفح التل ، وبيوتها تتناثر كحبات اللؤلؤ وبعضها يسبح بقدميه فى الماء ، إن هذه المدينة الجميلة لاتنام .

إنك تركب الباخرة إليها وتدفع عشرين سنتا فى الدرجة الأولى وعشرة فى الدرجة الثانية ، وتقطع الباخرة المسافة فى ربع ساعة ، والباخرة فخمة ومقاعدها مريحة :
الدرجة الأولى فى الطابق الأعلى والثانية فى الأسفل ..

وبمجرد أن تقع رجلك على رصيف هونج كونج تروعك السرعة الخاطفة للناس والسيارات والعربات .

إن الشوارع الرئيسية فى هونج كونج هى كوين رود ، انهان رود ، دى فو ، رود شتر رود ، كونون رود ، شتر رود ..

وفى هذه الشوارع كل شىء فى المدينة ، كل بنوك المال ، وكل المتاجر الكبرى والصغرى ، وكل محال الجواهر ، وكل الذهب والماس وعقود اللؤلؤ .. ومحال الجواهر يحرسها الحراس بالبنادق فى رائعة النهار !!

إن البوليس فى هونج كونج مثالى كما حدثتك ، ولكن العصابات ، واللصوص والنشالين ، والشحاذين فى هونج كونج تروى عنهم الأساطير ..

إنهم يستقبلونك على الرصيف وفى الأزقة بأسنانهم الذهبية الصفراء ، ويستقبلونك بعربة الركشا أحيانا ، وقد تركب العربة وتتنزه ، ويجدك الجندى بعد ساعة مجردا من ملابسك ، وملقى تحت شجرة ..

إن مدينة الجمال ، فيها كل ما يخطر على البال من مفاتن ، ولكن لكل شىء ثمنه .

***

والمرأة فى هونج كونج متأنقة معطرة ، وترى فى الشوارع الجاليات الإنجليزية والأمريكية ، وأحيانا ترى الهنديات واليابانيات أيضا .

***

وهونج كونج مدينة تجارية ، وفيها صحافة متقدمة ، ولكن ليس فيها أدب . إن جريدة جنوب الصين تصدر فى 24 صفحة وتباع بثلاثين سنتا وفيها كل ما يطلبه القارىء ..

وهى مبوبة تبويبا حسنا ومطبوعة أحسن طباعة ، ومخرجة إخراجا متقنا ، ولكن بعد الصحافة لا يوجد أدب ..

لايوجد عشاق للأدب فى هونج كونج ، ولافراغ للناس للقراءة والتأمل . إن هونج كونج كلها ليس فيها سوى بضع مكتبات قليلة لبيع الكتب ، والمكتبات تنسيقها بديع ، فهنا الكتب الواردة من المانيا ، وهنا الكتب الروسية ، وهنا الكتب الأسبانية ، وما أقل الشارين ..

إن فراغ الناس لايتسع للقراءة ، ولكنه يتسع للهو ..

إن جامعة هونج كونج الوحيدة تقوم على ربوة عالية ، وفى مكان هادىء جميل ، وبناياتها كثيرة المعامل ، وبخاصة كلية الطب وكلية العلوم .

والطلبة يتمتعون بأجمل المناظر حولهم ، وبانقطاعهم عن ضجيج المدينة وضجتها وتفرغهم للعلم ولكنها جامعة واحدة ، فى بلد تعداده يقرب من ثلاثة ملايين .

***

التاجر الصينى

إن الصينى فى هونج كونج من سن العاشرة يعشق التجارة ، وربحها ، إن التجارة فى دمه ، وهو أبرع تاجر فى الوجود ، ويتميز بخصال ثلاث :

الدماثة ، والابتسامة المشرقة ، وشعوره الداخلى بأنه ليس فى حاجة إليك أشتريت أو لم تشتر سيان .

فهو يستقبلك ويودعك بالابتسامة نفسها ، وبالوداعة نفسها ، وهذا يجعل كل العابرين يشترون حاجاتهم من هونج كونج .
إنهم تجار والتجارة فى دمهم .

ولهذا يتأنقون فى حوانيتهم ، ويعرضون البضاعة بطريقة فنية ، تدل على ذوق وبراعة ، ومتاجرهم متصلة فى كل شارع .

وهناك محال كبيرة تبيع البضائع الإنجليزية وحدها ، فى كولون ، وهونج كونج ، كما أن للصين الشعبية متجرا كبيرا فى هونج كونج يعرض منتجاتها ويبيعها بأقل من أسعار الصين ..

هونج كونج

والمتاجر فى هونج كونج كبيرة ، وتشغل المركز الرئيسى فى المدينة وفى شوارع دى فو ، وكوين رود محال تجارية فخمة من ثمانية وتسعة أدوار ، وتصعد إليها بالسلم الصاعد ، تقف على أول درجة ، والسلالم هى التى تصعد بك إلى الطابق الذى تبغيه ..

وهذه المحال أنيقة ومنسقة تنسيقا رائعا ، وواجهاتها تجذبك إلى داخلها ، وأهم هذه المحال Lane crawfercl بشارع دى فو و White Ways بشارع دى فو أيضا ، ومحال Chaina Emhorium بشارع كوين رود ..

وفى هذه المحال كل ما تحتاجه وأسعارها محدودة ..

أما المحال التجارية الصغيرة التى فى طول هونج كونج وعرضها ، فعليك أن تساوم البائع ، وهو يشتط فى الطلب عادة ، ويطلب للشىء ضعف ثمنه ، وثلاثة أضعافه ، والحوار معه ممتع للغاية ..

والصينى بطبعه مهذب ووديع ، وهو فى هونج كونج تاجر بلحمه ودمه من سن العاشرة ، فليس فى هذه المقاطعة البريطانية كلها أناس إلا التجار والصناع فى هونج كونج ، والفلاحون فى الضواحى والأراضى على امتداد شريط السكة الحديدية إلى Lowu الحد الفاصل بينها وبين الصين الشعبية ثم الصيادون فى أبردين ..

ولكنك تلاحظ التجارة أمامك كأنها عصب الحياة فى المدينة ، على طول الشوارع الرئيسية فى هونج كونج المحال الصغيرة والكبيرة ، واللافتات مكتوبة باللغة الصينية واللغة الإنجليزية ، وكل محل من هذه المحال يبذل كل جهده وفنه فى اجتذاب الجمهور ، بالعرض الخارجى ، والأنوار الساطعة ، وبالأسعار المغرية .

والتاجر الصينى صبور ومهذب ، فهو يقلب لك المحل رأسا على عقب ويأتى بآلاف الأشياء من الداخل لتشترى شيئا بسيطا ، أو لاتشترى على الإطلاق ، الأمر سيان ، يظل مبتسما وادعا ، وإذا قلت له إنك ستمر غدا ، أحنى رأسه ، وكذلك إذا قلت له إنك لم تغير العملة بعد ..

وتغيير العملة فى هونج كونج من أسهل الأشياء ، فلا داعى لأن تذهب إلى البنك وتقدم جواز السفر ، فالصيارفة كثيرون فى كل الشوارع وداخل المحال التجارية ، تجد الصراف يغير لك كل ما معك من عملة بسرعة فى دقيقة واحدة يأخذ منك ويعطيك دون أن يرى حتى وجهك ، ويقبل كل شىء ، كل أنواع النقود حتى العملة الزائفة ، ومحالهم صغيرة وأنيقة :
الشبابيك المعدنية المذهبة ، وطاولة الرخام المصقول ، والتليفون ، و " السكرتيرة " الحسناء ، وخريطة العالم دائرة بكل أنواع العملات ..

وإذا ذهبت إلى البنك قد تأخذ أكثر مما يعطيك هذا الصراف ، ولكنك تذهب إليه هو لأن منظره يغريك ولأنه لا يسألك عن شىء ، ولا يعرف حتى جنسيتك ..

والدولار الهونج كونجى بستة قروش مصرية ، وبهذه القروش الستة تفعل أشياء كثيرة :
تشرب القهوة فى مشرب صينى ، وتستمع إلى الموسيقى ، وتقدم لك الفنجان حسناء من مواليد هونج كونج ، تعطيها ما تبقى من الدولار كبقشيش ..

وتركب به تاكسى إلى الفندق ، وتشترى به علبة سجاير ..

أو تشرب منه فنجان شاى بخمسين سنتا وتشترى جريدة " جنوب الصين " بثلاثين سنتا ، وبالعشرين الباقية تركب الباخرة فى الدرجة الأولى وتدور دورة فى المحيط ، تقرأ وتشم هواء البحر وتتمتع بمناظر الطبيعة التى حولك ، وتستطيع بالدولار أن تدخل السينما من الدرجة الثالثة لترى صدر سيلفانا بنيانيتى وسيقان آفا جاردنر ، من غير مقص الرقيب على أن تجلس فى الصالة ، ولا تستطيع بالدولار أن تنظر أو تشترى كتابا ، أو حتى مجلة غير مصورة ..

الفنادق


والفنادق فى هونج كونج كبيرة ، وفيها الطعام الصينى والطعام الأوربى ، والخدمة ممتازة ، وللطعام مواعيد ، فإذا أغفلتها قد تنام من غير عشاء ، أو تذهب لتأكل فى الخارج . وإذا خرجت إلى الطريق ترى المطاعم الشعبية وبها الأرز ، والسمك ، وكل أنواع اللحوم ، والكرشة ، والشوربة ، والكبدة المحمرة .

وهذه المطاعم كثيرة ورخيصة ومنظرها يسيل له لعابك ، وترى فى الشوارع الرئيسية المطاعم المختلفة التى تقدم كل أكلات العالم : المطعم الصينى ، والمطعم الروسى ، والمطعم الأسبانى ، والمطعم الفرنسى ، والمطعم الألمـانى ، ولكن لاتنسى وأنت تأكل فيها أن الطـاهى صينى أصيل .

وتجد الساقية تحاول أن تبدو لك كالروسية أو الفرنسية ، وفى هذه المطاعم تسمع الموسيقى الأجنبية أو الصينية ، وترى جهاز التليفزيون أمامك يعرض مسرحية أو أوبرا .

ومعظم الخدم فى فنادق هونج كونج الكبرى من الشبان ، والنساء قليلون جدا يقمن فقط بتغيير الفراش والعمل فى المطعم ، والصبيان يعملون فى الأسانسير ، وهم فى خفة القطط ، ويحييك فى الصباح والمساء ويده على " زر " الأسانسير . .
صباح الخير ، مساء الخير .

وهو ينتظر منك البقشيش حتما ، والذى يحمل لك الحقيبة الصغيرة إلى غرفتك ينتظر منك البقشيش أيضا ، ولابد أن تعطيه دولارا ..

وفى بعض الفنادق مراقص ، وأندية ليلية تظل ساهرة إلى الصباح ، وفى أسفل الفندق تجد متجرا كبيرا وفيه كل ما يحتاجه المسافر من بضائع وسلع ..

***

والمحال التجارية فى هونج كونج تعمل من الساعة العاشرة صباحا إلى العاشرة مساء ، دون توقف فى الظهيرة ، ودون عطلة فى يوم الأحد أو السبت . وبعض المحال الكبيرة تغلق بعد ظهر الأحد فقط ، كما أن بعض المحال تغلق أبوابها يوما فى الساعة السابعة مساء .

والبنوك والشركات تعمل من التاسعة صباحا إلى الخامسة مساء ، وهناك فترة راحة فى الظهر للغداء .

وتجد سيول الموظفين خارجة بعد الخامسة مساء من هذه المحال ومتجهة إلى الميناء ، وكثير منهم يسكن فى كاولون .

ونصف العدد وأكثر منه من النساء ، وتجدهن أنيقات فى الملبس ، سريعات الحركة ، ولعل الجيب المشقوق يساعد على المشى السريع .

والصينية لينة الطبع رقيقة الصوت حلوة التقاطيع ، أنيقة الملبس ، وهى تدير المطعم والحانة ، وتعمل ساقية ، وعاملة تليفون ، وخادما فى الفندق ، وفلاحة فى المزارع ، ومضيفة فى الطائرة ، وأما فى البيت ، وبائعة تجيد الحديث بالإنجليزية .

كما أنها راقصة ، وممثلة فى الأوبرا ، وفتاة فى الحان .. كل هذا فى هونج كونج .

السينما

السينما فى هونج كونج تبدأ من الحادية عشرة صباحا فى " سينمات " الدرجة الثانية ، أما " سينمات " الدرجة الأولى فتبدأ عملها من الساعة الثانية والنصف ، وهناك حفلة أخرى فى الساعة الخامسة والنصف وحفلة فى الساعة السابعة والنصف وحفلة أخيرة فى الساعة التاسعة والنصف ..

وأسماء السينمات متشابهة فى كل العالم : سينما الهامبرا ، وسينما برودواى ، وسينما روكسى ، وسينما أستا ، وسينما الحرية ، وسينما متروبول ، والأفلام معظمها أمريكى ، ونادر أن يعرض فيلم صينى .

والسينما مزدحمة والكراسى مريحة ، والجمهور مهذب ، لايحدث تقبيل فتاة فى الظلام ، ولا تسمع كلمة نابية والتدخين ممنوع كلية . والمراقص الليلية جوها غريب ، وتعبق بالدخان والخمر ، والموسيقى الناعمة ، وهى مصيدة لإفراغ ما فى الجيوب ، وجذب السائحين إلى شىء تصوره الخمر ..

وتجلس بجانبك فتاة تشرب كأسين من الشمبانيا ، وبعد ساعة تدفع خمسة جنيهات وتخرج ، وتدرك فى الطريق أنها لم تكن جميلة على الاطلاق وأنها شربت ماء ..

حى أبردين



حى أبردين


هو حى تصل إليه بعد عشرين دقيقة بالسيارة ، وهو حى الصيادين فيه 100 الف صياد يعيشون فى زوارق فى الماء ، وفى أكواخ ومنازل صغيرة على الشاطىء ، وحرفتهم صيد السمك .

والنساء يستقبلنك بالقبعات العريضة ، والأسنان الذهبية ، وهن اللواتى يحركن المجاديف ، وينقلنك إلى الذهبية التى ستتناول فيها طعام الغداء وسط الماء .

وتجد فى هذه الزوارق الفتيات من سن العاشرة يعملن ويربحن لأسرهن ، ويوصلنك بالزورق إلى السفينة وهى من طابقين ، ويذهب إليها السائحون للنـزهة والتمتع بمنظر الصيادين الغريب ، وتناول أكلة شهية من المطبخ الصينى المشهور بجودة طعامه فى العالم أجمع .

إن الطباخ الصينى يستطيع أن يصنع لك مائة صنف من لحم العجول وحده ، ومائة صنف من السمك .

وفى السفينة وسط الماء ، والجو الشعرى الحالم ، أكلنا أصنافا متعددة من السمك ، والجمبرى ، والأرز ، والبطاطس المحمرة ، واللحم المقدد ثم الشوربة وهى آخر الطعام ..

وشربنا الشاى الخالص ، ودخنا فإن التدخين غير ممنوع فى السفينة ..

ورأينا السائحين الأجانب بجوارنا من كل جنس ولون ، وبعد أن استرحنا نهضنا عن المائدة ..

ووقف قبطان السفينة " مدير المطعم " يودعنا على المرساة بتحية وأدب ، وركبنا الزورق الذى جاء بنا ، وفيه فتاتان صغيرتان تجدفان ، وامرأة على الدفة ..

وعندما خرجنا من الماء ، التف حولنا أكثر من خمسين صائدة يطلبن البقشيش ، وهن من كل الأعمار ، وعلى وجوههن لفحة الشمس ، وأثر الجوع ..

***

الترام الصاعد

إن الترام الكهربى الصاعد peak tram يصعد بك إلى هضبة هونج كونج نظير 60 سنتا لهذه الجولة الممتعة ، ومن سنة 1888 وهذا الترام يتحرك ، إنه يريك أجمل مناظر هونج كونج . البيوت البيضاء على التلال الزمردية ، والخليج من تحتك ، والسفن تسبح كأنها مراكب الأطفال ، والهواء الحالم يصافح قلوب العشاق فى أعلى الربوة .

إذا ذهبت هناك فى الليل فستقف مبهورا وأنت تعجب لكل ما صنع الإنسان .

وإذا ذهبت فى النهار ، ستعتمد على السياج الحديدى فى البرج وتسبح عيناك فى بحر من الجمال ليس له أول ولا آخر ، وستلعن معى كل الذين يثيرون الحروب فى العالم وكل الذين يشوهون جمال الطبيعة وجمال الإنسان .

وتجلس فى المقهى الصغير ، تشرب القهوة ، أو عصير البرتقال ، وأنت تحس بالدفء ، وحرارة الشمس الساطعة فى شهر ديسمبر .

وتركب السيارة وأنت نازل من الربوة ، لترى كل معالم المدينة وكل طرقاتها الجميلة وكل المستشفيات والمدارس .

وتمر بالشاطىء المخصص لاستحمام الإنجليز وحدهم ، وتراه مهجورا ، ليس فيه إلا إنجليـزية واحدة مستلقية على الرمال وفى فخذيها ، وساقيها الشعر ، ورجل يجلس بعيدا ، يدخن الغليون .
تترك هذا كله وراءك سريعا وتدخل شاطىء استانلى .

شاطىء استانلى

إن حى استانلى فى هونج كونج هو حى الفقراء ، ضاحية تخرج لسانها فى الماء ، وسكانها صينيون خلص يعيشون على صيد السمك ، عيشة هادئة بسيطة .

وترى القرية برغم البساطة والفقر نظيفة والشوارع ضيقة ومرصوفة ، والبيوت من طابق واحد ، وأمام كل بيت حنفية ، والماء يجرى فى مجراة صغيرة إلى البحر .

وترى السوق ملآنة ، والدكاكين الصغيرة على جانبى الشارع فيها كل أصناف البضائع الشعبية ، وفى الشارع الرئيسى فى القرية أكثر من حانة ، وأجزخانة كاملة وبها فتاة تتحدث بكل اللغات .

وتجد فى نهاية الصف الذى فيه البيوت النساء جالسات يغسلن ملابس الرجال ، والرجل عادة يذهب ليصيد السمك من الفجر .

وإذا اشتهيت السمك تستطيع أن تأكل هناك وجبة شهية رخيصة من السمك المسلوق والسمك المشوى والأرز والشوربة الساخنة ، نظير خمسة وعشرين قرشا ..

وتركب بعد ذلك السيارة عائدا إلى المدينة .

كاولون

وقد تمزق جيب سترتى وأنا أخرج مندفعا من سيارة تاكسى فى كاولون ولم يكن معى بدلة سواها ، فقررت أن أصلحها فى الحال وسرت فى المدينة التى أصبحت أعرف كل شبر فيها ، وانحدرت إلى شارع جانبى حيث قدرت أن أجد " رفاء " ووجدته بعد ربع ساعة فعلا ، وكان فى مدخل إحدى العمارات ، وأريته السترة الممزقة فقال مبتسما :

ـ اذهب إلى الفندق وأرسلها لى ..
ـ إنى لا أقيم فى أى فندق ، مجرد سائح عابر ، خرج من المطار ليجول فى المدينة ، وسأطير إلى طوكيو بعد ساعتين ..
ـ ستجد هناك أمهر الصناع فى العالم أجمع .
ـ ولكن السترة تمزقت هنا وسأرتقها هنا ..


فأشرق وجهه وقال :
ـ إذن اخلعها وسآخذ دولارا ونصف دولار ..
فقلت فى سرى " أى رخص " إن الدولار الهونج كونجى هو دولار أمريكى فى الواقع

وأخرجت ما فى جيوبى وخلعتها وناولتها إياه فقال الرجل مبتسما وهو ينظر فى ساعته :
ـ ستخلص بعد نصف ساعة ..

ولم يكن بجوارى مقعد ولم يكن هو يستطيع أن يجلب لى كرسيا ، ووجدته ينظر إلى الداخل كأنه يبحث عن شىء فقلت له :
لاتشغل نفسك ، سأسلى نفسى بمنظر العابرين فى الطريق ..
فعاد إلى عمله ..

وأخذ السكان يهبطون من العمارة ، ويصعدون اليها ، وأنا واقف فى مكانى دون أن يسترعى منظرى فضولهم . كانت النسوة يصعدن بالخضار ، وما تسوقنه من السوق ، والرجال ينـزلون إلى عملهم ..

وسمعت حركة باب يفتح فى الداخل ، ورفع " الرفاء " رأسه ، وتحدث بالصينية مع شخص لم أره ، ثم قال لى :
ـ تفضل استرح فى الداخل ، إن الوقفة ستطول ..

فتلفت إلى حيث يشير ، فوجدت شابا يدعونى إلى داخل شقة أرضية ، وكان يتكلم بانجليزية قليلة ، فسلمت عليه ، وجلست فى مدخل الشقة ، قريبا من الباب المفتوح ..

وكنت أتصور أن البيت هو سكن الرفاء ، ولكن عرفت بعد الحديث القصير أن البيت هو بيت الشاب ، وأنه ذاهب لعمله الآن فى هونج كونج ، ولهذا سيضطر لتركى مع اسرته ، وحملت إلى من الداخل فتاة فى العشرين الشاى ، ونظرت اليها ، كانت خجلى ومن عينيها يطل الطهر ، فنظرت متعجبا ، أهذه هى المرأة التى أراها فى الليل ، أم أنا مخدوع ؟ لم تكن الفتاة تعرف غير لغتها ، فابتسمت وانسحبت وهى تحيينى ، وأدركت أن هذه هى الصينية فى البيت ، ورأيت ، وأنا خارج ، أمها ، كانت قصيرة ، ولايزال شعرها أسود ، برغم كبر السن ، ابتسمت وأحنت رأسها .

وكان الشاب قد ترك لى عنوان المتجر الذى يشتغل فيه ، فقررت أن أزوره فى هونج كونج فى اليوم التالى ..

وارتديت سترتى وخرجت إلى الطريق ..
====================================




طوكيو : مدينة الأحلام

طوكيو مدينة الأحلام


إن طوكيو مدينـة جميـلة وجمالهـا لايدركه الخيـال

إن الخيـال مهما سبح لايمكن أن يصـل إلى حقيقتها الجميـلة

إنها المدينـة التى تتضـاءل أمامها كل المـدن وتذهب أمامها كل أحـلام اليقظة التى تدور فى ذهن الإنسـان

إن المثل يقول : إن من لم يشاهد البسفور لم ير الجنـة

وأصـدق من هـذا أن تقـول : إن من لم يشاهد طوكيـو لم ير شيـئا فى الحيــاة

إنهــا مدينــة الحيــاة

إنها مدينــة لامثيـل لها ولا شبـيه

إنهـا مبنـية على أحـدث طرق المعمـار ، وأجمـل مـا تخـط مدينـة فى الوجـود

***

ولقد ضربها الأمريكان من الجو فى الحرب الأخيرة ، ضربوها بوحشية لاتصدر من شيطان ، دكوها من مراكز الثقل والصناعة فيها وجعلوا قلبها حطاما ، ولكن السواعد القوية أعادت المدينة الشامخة أجمل وأنضر مما كانت ، وعاد قلب طوكيو كأجمل ما رأت العين من أشياء .

إن طوكيو مدينة اجتمع على رسمها كل فنان فى اليابان وكل عقل متفتح فجاءت تحفة المدن . اجتمع هؤلاء الفنانون ليزينوها ويزخرفوها كأنها تصميم هندسى على الورق ، وجاءت الحقيقة أروع من التصميم وأجمل .

وتراهـا فى الليـل ترقص تحت الأنوار الحمراء والخضراء والزرقاء والبنفسجية ، وتسبح تحـت أطواد من البالونات من كل الألوان وكل الأحجام .

وإذا كنت ستعبرها لمجرد ليلة ، فإنك لاتفكر فى النوم ، فحرام على النفس البشرية أن تحرمها كل هذا الجمال ، حرام أن تحرمها ليلة لاتأتى مثلها ليلة فى مدينة على الأرض .

وأنت ترى هذه الأنوار من الجو وأنت معلق بين السحاب ، وعندما تقبل الطائرة الضخمة أرض المطار ، تحس بشىء جديد فى أنوار الإشارة وفى مضخات الحريق والعجلات التى تستقبل الطائرة وهى هابطة على أرض فى نعومة الرخام .

وعندما تخرج بالسيارة إلى المدينة الكبيرة ، تحس بالشىء الذى يروع ويفوق كل تصورات العقل والخيال .

إن سكان طوكيو تسعة ملايين ، وفى هذه المدينة الكبيرة كل ما فى اليابان من جمال .

لقد وضعوا كل شىء فى العاصمة ، جملوها وزينوها وجعلوها تحفة .

وأنت تسبح تحت الأضواء من كل الألوان ، وترى الناس فى الشارع يمضون فى نشاط ، والحوانيت متلألئة ، والسيارات تطلق أقصى أنوارها الكشافة حتى تدخل الفندق .

وعندما تدور مع الباب الدوار تجد نفسك فى مساحة فسيحة وعن يمينك مكتب الاستقبال ، وتحس من روعة المكان والفخامة ، أنك حقا فى عروس المدن على الاطلاق .

وعندما تقف على الطاولة تحت الأنوار القوية ، تسمع الفتيات العاملات يتحدثن فى التليفون وهن فى لباس أزرق من قطعة واحدة ، وفى العنق ياقة ناصعة البياض . وفى الوسط حزام جلدى أحمر ، أدق من الخصر نفسه .

وتختار لنفسك غرفة أوربية بحمام خاص أو غرفة يابانية بحمام مشترك .

وتأخذ المفتاح فى يدك وتجتاز البهو إلى المصاعد ، وتجد صفا من الفتيات أمام المصاعد فى فساتين حمراء قصيرة وفى أقدامهن الصغيرة أحذية من الكاوتش ، وهن متأنقات فى أجمل زينة ، وتتقدم الواحدة وتريها رقم الغرفة ، فتقول برقة :
تفضل فى الدور السادس ..

وفى الدور السادس تجد سربا آخر من الفتيات فى مكتب الاستقبــال ولكـن فى لباس جديد أزرق ، ويستقبلنك بالابتسام ..

وتقدم لهن رقم الغرفة وتمضى معك الفتاة فى البهو الطويل حتى تصل إلى غرفتك ..

وفى الغرفة اليابانية لايوجد سرير ، وإنما حشيات ووسائد على الأرض وتشرب الشاى وأنت مستلق على الأرائك وكذلك تأكل وتشرب وتسمع الغناء الحالم ..

ولا ينقصك فى هذه الغرفة إلا الجيشا ، ولكن الجيشا لاتوجد فى مثل هذا الفندق ، إنها فى مكان آخر ..

والغرفة الأوربية أنيقة بها سرير صغير ودولاب أصغر منه ومكتب عليه تليفون ، ومنضدة صغيرة عليها باقة ورد ، وتجد بجوار التليفون نسخة من الإنجيل ، تجد هذا فى بلاد عباد بوذا ، وعباد شين تو ، وتخلع سترتك وتدخل الحمام فتجد حماما أزرق اللون صغيرا ، وبه كل شىء : الصابون المعطر ، البانيو ، والدش ، والحنفيات بالماء الساخن والبارد فى كل مكان ، وتجد المناشف من كل الأحجام مكوية ومغطاة بأكياس النيلون ، وبعد ثلاث دقائق تأتى حقائبك على عربة صغيرة تدفعها فتيات يلبسن المرايل الحمراء ، وتخجل إذا كانت هناك حقيبة ثقيلة ، وتحاول أن تخرجها بدلهن من العربة ولكنهن يرفضن ويعملن فى رشاقة وسرعة ويضعن الحقائب فى مكانها من الغرفة ثم ينحنين لك مبتسمات فى دماثة ..

وتحاول أن تعطيهن بقشيشا ولكنهن يرفضن بأدب ..

وتسألك الفتاة المكلفة بخدمتك بعد أن ترتب لك كل حاجاتك إن كنت فى حاجة لشىء ، فتدور بعينيك فى الغرفة وترى كل شىء موجودا ، وأخيرا تطلب فنجانا من القهوة ..
هاى : يعنى حاضر ..
وتمضى سريعا ..

وتحمل لك صينية القهوة فتاة أخرى غيرها فى لباس أبيض ، وشعرها أسود مقصوص ، وجمالها الطبيعى يغنى عن كل زينة ، ولكن على الشفة بعض الأحمـر ، وفى الخد مثل عصير الرمان الممزوج بالشهد ..

وتعرف من كثرة من يدخل عليك من بنات أن فى الجناح الواحد أكثر من عشرين فتاة لخدمتك ، ولهن رئيسة تجلس بجوار التليفون ، وتتلقى كل رغبات النـزلاء ..

وإذا نزلت إلى المطعم فى الدور الأرضى لتتعشى ، وجلست بعد العشاء فى " صالة " الفندق إلى ساعة متأخرة من الليل تتحدث مع من تجده هناك ، وترقب الداخلين والخارجين من الباب الدوار ثم أحسست بالنوم وأخذت الطريق إلى غرفتك ، ستجد أن الطاقم كله تغير قبل نصف الليل بساعة ، يصبح جميع الخدم من الغلمان ، حتى عمال المصاعد ، ولباسهم أسمر جميل ، وهم فى غاية السرعة والنشاط ..

ولا يبقى من الفتيات فى الفندق فى أثناء الليل إلا المدلكات اللواتى تدغدغ أناملهن الناعمة فى أخريات الليل العجائز من النـزلاء ..

وتجدهن إذا جلست فى " الصالة " لابسات المعاطف البيضاء فوق الفستان الأسود ومشمرات سواعدهن ، فى طريقهن إلى العمل ..

وفى الساعة السابعة صباحا تسمع صوت الفتيات فى الممرات من جديد وتسمع ضحكهن ينتشر لأنهن سيحملن لك الشاى إلى الفراش وتأخذ حماما ساخنا وباردا وتجد جريدة أخبار اليابان تحت الباب تحمل لك الأخبار دون خوف أو رهبة ..

وتتناول الإفطار سريعا فى قاعة الطعام وتخرج إلى المدينة ، فتجد الناس يتحركون زرافات على الأرصفة إلى مقر عملهم ، الشبان والشابات فى لباس أوربى ..

النساء فى معاطف من الصوف الأزرق أو الرمادى أو " السنجابى " وهن يسرن الخطى وسيقانهن البللورية تبدو من أطراف المعاطف ، وشعرهن الأسود اللامع عار مقصوص ..

والرجـال فى بدلة من سترة وبنطلون ، والسترة أحيانا مفتوحة من الخلف ..

واليابانى ربعه ويمشى بصدره ، وخطوه سريع ..

وإذا وقفت فى محطة شنياش تحصى الف شخص يمر عليك فى كل دقيقة وتهبط أفواج من المترو فوق الأرض والمترو تحت الأرض ، ومن الترام ومن الأتوبيس ومن التاكسى .. وتمضى فى سرعة إلى بغيتها ، وتجد المقاهى والمطاعم قد فتحت أبوابها وصفت موائدها فى استقبال الرواد ..

وتجد الأسعار كلها فى واجهة المطاعم الصغيرة التى تقدم وجبة الافطار بطريقة حديثة وسهلة : فنجانة الشاى موضوعة وعليها 60 ين يعنى ستة قروش ، وكعكة وعليها ثلاثة قروش ، وتفاحة وفوقها خمسة قروش ، وهكذا كل ما فى داخل المحل من طعام موضوع فى الفترينة الخارجـية ، ليشاهده المارة ..

وفى الساعة التاسعة تخف حركة الهابطين من المترو والترام والسيارات والعربات ، وتفتح المحال التجارية والمطاعم الكبيرة أبوابها وتبدأ الحياة فى الشارع ، وإذا تركت محطة شنياش وسرت فى حى جنـزا حى الملاهى والمحال التجارية الكبرى ستجد الملاهى كلها مغلقة وتجد بعد الكوبرى الصغير ، وعلى ناصية الطريق صفا من الفتيات جالسات على الرصيف لمسح أحذية العابرين ..

وإذا تقدمت لواحدة منهن ستقدم لك كرسيا صغيرا لتجلس عليه وتضع قدمك على الصندوق وتأخذ فى العمل ..

وتعجب أنها تمسح الحذاء ، بعشرات من " الفرش " الصغيرة والكبيرة بعناية ورشاقة ، وإذا كانت تعرف الإنجليـزية تحادثت معك فى كل شىء حتى عن الإقمار الصناعية ، وإذا لم تكن تعرف اكتفت بالابتسامة والإشارة ..
وتعطيها ثلاثين ين ، يعنى " ثلاثة قروش " وهذا هو السعر ، وخمسة قروش إذا أجزلت لها العطاء ..

***

وتمشى فى المدينة ، إن مدينة طوكيو مدينة متناهية فى الضخامة يمشى فيها التاكسى بالسرعة الخاطفة ساعتين وثلاث ساعات ..

وهى مزدحمة بالسكان إذا قستها بالعواصم الأخرى ، ففى طوكيو يسكن 31 ألفا فى كل كيلو متر مربع ، وفى نيـويورك 21 ألفا فى كل كيلو متر مربع ، وفى لندن 12 ألفا فقط فى كل كيلو متر مربع ..

فطوكيو متناهية فى الزحام ..

وهذه المدينة مع ضخامتها ليس بها أسماء للشوارع على الإطلاق ، وإنما معروفة بالأحياء : حى جنـزا ، وحى كنشاسى ، وحى تاموزا شوين ، وفندق دانيشى مثلا لايوجد شارع تعرفه به ، وإنما هو بجوار محطة شنباش هى محطة صغيرة للمترو ..

على حين أن فندق دانيشى به 626 غرفة ، وعندما دخل الأمريكان المدينة وضعوا أرقاما على الشوارع : الشارع 54 والشارع 86 بطريقتهم ولكن اليابانيين لايعترفون بهذه الأرقام ، ولايستعملونها قط ..

وطوكيو بها عمارات شاهقة لامثيل لها فى الضخامة والارتفاع والنوافذ كلها زجاجية مكشوفة ، فإذا انطلقت بداخلها الأنوار فى الليل تصبح العمارة قطعة من الشهب ..

وترتفع العمارات إلى أربعين طابقا ، وكلها مبنية على أحدث طرق المعمار والبنوك والشركات كلها مكشوفة لمن يدخلها ، فإذا كنت فى بهو الشركة استطعت أن ترى كل الموظفين أمامك على المكاتب من وراء حوائط البللور ..

وإذا وقفت على ناصية أى شارع فى قلب طوكيو ، تروعك حركة السيارات فى الطريق ، إنها مروعة ، ويخيل إليك من كثرتها أن لكل عشرين شخصا سيارة فى المدينة ..

واليابان تصنع كل أنواع السيارات من السيارة الصغيرة ذات المقاعد الثلاثة إلى الأتوبيس الذى يسع ثمانين راكبا ، ومع هذا فيها كثير من السيارات الألمانية والأمريكية ..

وفى الليل تطلق هذه السيارات كل أنوارها القوية ، هذا هو النظام ، فليس هناك درجتان للإضاءة فى الطريق ..

وإذا عبرت الشارع وسط هذا العاصف من السيارات ستقتل حتما ويضعك عزرائيل فى قائمة الشهداء ..

إن شبكة المواصلات فى مدينة طوكيو عظيمة ، فالراكب لاينتظر أتوبيس فى المحطة أكثر من دقيقة واحدة ، فى كل دقيقة فى شارع جنـزا الفاخر تمر سيارة ، تقف على مستوى الرصيف تماما ، وفى مثل ارتفاعه فتخطو إليها ، كأنك نازل فى يخت ، ثم تغلق الكمسارية الجميلة الباب الأتوماتيكى ، فلايوجد سلم للسيارة ولا أحد يقف على السلم ، وكل الأتوبيسات فى طوكيو ، الكمسارى فيها أنثى تستقبلك على الباب بابتسامة ووداعة ، وهى فى لباس أزرق وفى أزرار صفراء لامعة ، وشعرها تعقده على طريقتها ، واليابانية أقدر امرأة فى العالم على تصفيف الشعر ، وعندما تجلس على الكرسى القطيفة ، أو الكرسى الجلدى تنسى الكمسارية وتنظر إلى الترام الذى يسير بجوارك وترى " الكمساري " فيه رجلا وكذلك كل ترام يمر ..

وإذا كنت تحب الصوت الناعم ، فانك ستختار الأتوبيس فى كل جولاتك فى طوكيو ..
=====================
نشرت بمجلة الجيل المصرية بعددها رقم 333 فى 1251958 تحت عنوان " طوكيو مدينة الأحلام " وأعيد نشرها فى كتاب " مدينة الأحلام " الصادر عن الدار القومية للطباعة والنشر 1963 وجزء منها منشور فى مقدمة كتاب " قصص من اليابان لمحمود البدوى " الصادر عن مكتبة مصر 2001 من تقديم على عبد اللطيف وليلى محمود البدوى
=================================

طوكيو : مدينة الجمال

طوكيو .. مدينة الجمال


" إن طوكيو مدينة جميلة وجمالها نادر المثال ، وليس هذا لأن فيها أجمل النساء ، فإن أجمل النساء فى العالم فى مدينة بوخارست ، أو لأن بها ناطحات السحاب ، فإن أعظم ناطحات سحاب فى العالم فى مدينة نيويورك ، أو لأن مناظرها الطبيعية خلابة ، فإن أجمل المناظر الطبيعية التى يمكن أن يشاهدها الإنسان فى سويسرا وفى ريف النمسا .
إن طوكيو جميلة لأن روحها جميلة ..

إنها تستقبلك فاتحة لك ذراعيها وتضمك فى حنان ، ليس فيها شىء منفر على الاطلاق .

إن المتاعب التى تلاقيها فى المطار تنساها بعد لحظة بمجرد أن تتنفس هواء المدينة لأنك تعرف أن سببها هو الاحتلال الأمريكى ، إنهم يبحثون عن السجاير والويسكى فى كل حقيبة من حقائب المسافرين ، ولكن بعد أن يدور السلم الكهربى بالحقائب ، وتقف أنت تحت خريطة طوكيو المضيئة تشرب الشاى ، أو تتحدث فى التليفون ، أو ترسل برقية إلى العالم الخارجى ، تدرك أنك فى مدينة عظيمة وكل من فيها يحبك ..

إن أهلها فى منتهى الأدب ومنتهى السماحة ومنتهى اللطف ، إنك تدخل إلى مشرب لتتناول شيئا أو تستريح قليلا فترى صاحبه ينحنى لك فى أدب وكذلك الجرسون ، وكذلك كل شخص تلاقيه وتحادثه .

وإذا سرت فى الشارع يصبح مألوفا لديك أن ترى رجلين قد أوقف كل منهما سيارته فى جانب الطريق وأخذا ينحنيان لبعض ، وتعرف أن رفرف أحدهما لمس رفرف الآخر لمسة خفيفة ، وهذه هى طريقة الاعتذار ..

وترى سيدة صغيرة تقف أمام سيدة أكبر منها ، وتنحنى لها فى خشوع ورقة عدة مرات ، وتعرف أن هذه هى التحية المألوفة من السيدة الصغيرة للكبيرة فى اليابان ..

وإذا ركبت السيارة أو الترام ، وسبقك شخص إلى الركوب ، وشعر بخطئه ، فإنه ينحنى ويظل يعتذر لك ، وسائق " التاكسى " يشكرك بأدب بعد " المشوار " ولابد أن تشكره أيضا ، وكمسارى الترام ، وكمسارية الأتوبيس .. يتلقى منك ثمن التذكرة بأدب وانحناء ، وإذا سألته عن محطة لا تعرفها وعرف أنك غريب خصص نفسه لخدمتك ، وأظهر لك كل سجايا بلاده الحميدة ، وهذا الأدب واللطف فى المعاملة تراهما فى كل خطوة ..

***

وإذا سرت فى الشارع بعد الساعة التاسعة صباحا لتستعرض الحوانيت والمارة فإنك ستجد فى الحوانيت الأناقة والتخصص .. فهذا محل يبيع أحذية السيدات فقط ، وهذا يبيع الولاعات ، وهذا يبيع مراوح اليد الناعمة ، وهذا يبيع الحرير ، وهذا يبيع الحقائب ، وستجد النظافة التامة ، والنظام ، وحسن العرض ، والرقة فى معاملة العميل ، وعدم اللهفة فى البيع ، وستجد أن جميع المحال تتخذ الطريقة الأوربية والأمريكية فى العرض ، وتدخل المحل وتجد كل شىء تحت نظرك محدود السعر ، فإذا أخترت شيئا لفته لك البائعة فى ورق جميل ناعم ، وانحنت وهى تسلمه لك وابتسمت ..

والعمال فى هذه المحال من الشبان والشابات ، ولكن الغالبية من الجنس الناعم ..

وفى شارع جنزا ثلاثة محال تجارية كبيرة ، فيها كل شىء وهى تغنيك عن أية جولة أخرى فى المدينة بقصد التسوق ، وهى من ثمانية وتسعة أدوار ..

وتصعد إلى الأدوار العليا بالمصاعد والسلالم الكهربية ، وهى محال فخمة كبيرة أروع من محال هونج كونج وأفخم ، وهى منسقة تنسيقا رائعا وتدخل وكأنك تدخل مدينة عامرة بمختلف الأصناف والسلع ، وفى هذه المحال كل ما تنتجه اليابان ، وكل ما يأتى من الخارج ..

وتجد البائعات فى زى واحد جميل ، وكثير منهن يعرف الإنجليزية والتى تريك البضاعة هى التى تأخذ منك الثمن وهى التى تلفها لك ، ويتم هذا فى سرعة وخفة فى الحركة والعمل ، وإذا وجدتك مترددا فى الاختيار ..

قالت لك فى رقة :
ـ شرفنا بعد الظهر ستجد أصنافا جديدة ..

وبعد أن تصعد كل هذه الأدوار العليا ، وتجول هذه الجولة الطويلة فى المتجر ستحس بالجوع ، ويمكنك أن تتغدى فى الطابق التاسع فهناك مطعم كبير من الطعام الأوربى ، والطعام اليابانى ، ولا يكلفك الغداء أكثر من ستين قرشا ..

وبعد الغداء تترك السلم الكهربى وأنت نازل ، وتتجه إلى المصعد لأنه أسرع ، وتدخل المصعد ، وبعد أن تغلق الفتاة الباب تسمعها تتحدث ويخيل إليك أنها تحادث نفسها ، ولكنها تكون فى الواقع ترد على النداءات فى الطوابق الأخرى ..
ـ إننى مشغولة ..
ـ سأقف فى الدور الرابع ..
ـ المصعد ممتلىء ..
ـ عندنا مكان لسبعة من الركاب فقط ..
ـ بتكلمى مين يا بنت ..
قالها بدران الضاحك بالعربية ..
فردت عليه بعينيها ..
ـ مش بكلمك ..
وضحكنا ..

وإذا كانت معك أكثر من ربطة ، وتريد أن تتخلص منها فى سهولة ، فإنك تتجه إلى إحدى العاملات بجانب الباب الخارجى ، وتترك لها اسمك وعنوانك فتصل هذه الأشياء إلى غرفتك فى الفندق بعد ساعة دون أى أجر ..

وتخرج إلى الشارع خفيفا ودون معطف ، لأن الجو دافىء فى النهار حتى فى الأسبوع الأول من ديسمبر ، وأنت لاتحس بالبرد ولا بالهواء القارس ، وإنما تحس أن الجو يدفعك إلى النشاط والحركة ، ولذلك لاتعجب وأنت ترى سكان طوكيو يسرعون فى المشى وفى كل عمل يؤدونه ..

والمدينة فى حركة مستمرة من السادسة صباحا ولا تنام أبدا فى ليل ولا فى نهار ، وعندما تغلق المتاجر والمطاعم والمقاهى الصغيرة تسهر الكباريهات إلى الصباح ..

وتستريح المدينة ساعة واحدة فى بكرة الصباح وهى التى يعمل فيها الكناسون ..

وقد ينزل المطر فى أى وقت حتى والشمس ساطعة ، ولكن المطر لا تأثير له على عمل الناس ولا على حركة المواصلات فى المدينة ، فشوارع طوكيو كلها مرصوفة بالبلاط الصغير والكبير ، ونظيفة فى كل ساعات النهار والليل ، والمدينة الضخمة لايمكن أن تعثر فيها على ورقة صغيرة ملقاة فى عرض الطريق ، والأشجار الصغيرة مغروسة على الجانبين ، والأزهار والورود الجميلة تراها فى كل مكان ، وعلى الأخص فى الضواحى ، لأن اليابانيين يعشقون الورود ..

وفى الساعة الحادية عشرة تشتد الحركة فى الشوارع ، وتبلغ المدينة مداها فى الحركة ، وتحس وأنت سائر فى الطريق أن اليابانى يقلد الأمريكى والأوربى فى زيه وفى انتاجه وقد يبزه ، على خلاف الصينى الذى يحب أن يحتفظ بكل طابعه وكل خصائصه ولا يقلد أحدا ..

***

والرجل اليابانى ، يرتدى البدلة على أحدث طرق التفصيل الأوربية والأمريكية ، وإذا اشتد البرد يضع فوقها المعطف ..

ولا يمكن أن تعثر الآن على رجل يابانى فى شوارع طوكيو .. يرتدى الزى اليابانى القديم ..

أما المرأة فترتدى الزى الأوربى والأمريكى عارية الرأس وترتدى زى اليابان الخالص الكومينو ، وفوق رأسها القبعة اليابانية العريضة ..

والأغلبية الكبرى من النساء ترتدى الزى الأوربى فى أناقة تامة ..

والمرأة اليابانية تسرف فى التجميل ، وفى الزينة .. وبيوت التجميل تراها بكثرة فى شوارع طوكيو ، ولكن بعض اللواتى يتجملن فى هذه البيوت هن من السائحات ..

واليابانية تتجمل فى بيتها ببراعة وصنعة ، وتساعدها بشرتها الناعمة على هذه الزينة التى أصبحت من لوازمها ، ومن طباعها ، حتى الفتيات الصغيرات فى المطاعم ، والمحال التجارية تراهن فى حفل من الزينة ..

والفتاة الحديثة فى طوكيو تقص شعرها وترتدى أحدث الأزياء الأوربية ، وتعرف لغة أجنبية ، وتفضل الزواج ، وهى صغيرة على التعليم العالى ، فإن نسبة التعليم الجامعى فى اليابان للبنات لا تتجاوز 7%

والمرأة اليابانية أحسن زوجة فى العالم ، وهى تتفانى فى خدمة الرجل والعمل فى البيت ، وتتحمل فى صبر عجيب كل ثورات الرجل وحماقاته ..

فالرجل اليابانى يسرف فى شرب " الساكى " وهو شراب وطنى يستخلص من الأرز ويوضع فى أوان خزفية ، ويشرب ساخنا فى أقداح صغيرة ، وهو شديد المفعول ..

واليابانى يشربه بكثرة ، ويفقد وعيه ، وتكون كل تصرفاته حمقاء ، ومع هذا لا تضيق به زوجته ، حتى إذا اتخذ من فتاة " الجيشا " خليلة فإنها تعرف أن هذه نزوة عارضة وأنه سيعود إليها ، وحتى إذا كانت تعرف أنه يذهب إلى بيوت البغاء الوطنية ، فإنه فى طوكيو وحدها 70 الف بغى ، وغالبية الذين يترددون على بيوت البغاء من المتزوجين ..

والفتاة فى اليابان تعمل من الثانية عشرة فى كل الأعمال الصغيرة وأجرها بسيط ، ولكنها إذا تزوجت فى سن العشرين ووجدت أن أجر زوجها يكفيها قعدت فى البيت ، فإنها تحب البيت جدا ، ولهذا تنسقه وتملؤه بالزهور ، وتحب أن يكون جو البيت كله هادئا ، وتشغل نفسها بتربية الأطفال وبخدمة البيت ..

فإذا عجز زوجها فى أى وقت عن الانفاق ، خرجت إلى العمل ، وتراها فى هذه الحالة قادرة على مزاولة كل حرفة ..

وفى طوكيو تشاهد الفتاة اليابانية الأرستقراطية الأصيلة تقود السيارة الفخمة وحدها ، ولا أحد يركب بجانبها ، وقد تكون مرتدية البنطلون ولكنها لا تدخن ..

وإذا دخلت مشربا فإنها لا تشرب الخمر ، وإذا شربت لا يكون الشراب عن رغبة فى نفسها ، وإنما مجاملة لك ..

وهذه الظاهرة تراها فى كل طوكيو ، حتى الفتاة التى تعمل فى الكباريه فإنها لاتحب الخمر ..

***

وإذا سرت فى الشارع وقت العصر ، بعد جولتك فى المحال التجارية فإنك تشاهد الجنود الأمريكيين والفتيات الأمريكيات .. ولكن اليابانيين لا يحبون الاختلاط بهم ..

واليابانى بطبعه لا يحب الاختلاط بالأجانب ، فالأجانب فى اليابان ، بصرف النظر عن جنود الاحتلال الذين كانوا يحتلون أماكن من طوكيو ومن غيرها ، لا يتعدون بضعة آلاف من الألمان والجنسيات الأخرى ..

***

وتشعر وأنت تسير فى الطريق بهزة ، وتتذكر ما قرأته عن كثرة الزلازل فى طوكيو .. إن المدينة يحدث بها ثلاثة وأربعة زلازل فى اليوم الواحد وقد تشعر بها وقد لاتشعر بها ، ولكنه شىء عادى ومألوف وأنت تنظر إلى العمارات الشاهقة الضخمة بنوافذها البلورية ، وتعجب ، ولكنهم لا يتعجبون مثلك ، وإذا حطمتها الزلازل سيبنون غيرها بسرعة ، إن قلب العاصمة يجب أن يكون هكذا ، ولكن البيوت فى أطراف المدينة من طابق واحد ومن طابقين بسبب الزلازل وكثرتها ومباغتتها ، وقد يكون بسبب الزلازل وتوقع الموت فى كل لحظة ، إن اليابانى يسرف فى الشراب ، وأن المدينة تظل ساهرة إلى الصباح ..

وإذا شعرت بالصداع ، قد يكون سببه التفكير فى الزلازل ، وشعرت بهزة أخرى وكانت قوية ، وتلفت فوجدت مقهى صغيرا ، على قيد خطوات منى فدخلت وجلست قريبا من الباب ..

ولم ألاحظ وأنا داخل أن هناك فتاة فتحت لى الباب وانحنت لى مرحبة وأن هناك فتاة أخرى جالسة على البنك رحبت بى أيضا بكلمات خرجت من شفتيها ، ولما جلست أدركت ما حدث ، وكان المقهى عبارة عن مكان صغير جدا من ثلاثة طوابق من الخشب المزخرف ، ومن هذه الطوابق الثلاثة طابق فى جوف الأرض ، وكانت المقاعد مريحة مغطاة بالقطيفة والجلد وعليها الحشيات ، والمناضد صغيرة واطئة وعليها الزهور وكان المكان كله مزخرفا ، وأينما نظرت وجدت رسما ، أو ستارة أنيقة ..

وبعد أن جلست بعدة دقائق جاءت إلىََّ فتاة تحمل إلىَ " فوطة " صغيرة يتصاعد منها البخار ، فمسحت بها وجهى ويدى ..

إن هذه الفوطة ، تقدم لك فى كل مكان فى الصين ، واليابان إذا دخلت أى مطعم أو مقهى ، وحتى عند الحلاق ، وشعرت بالراحة ..

ولكننى قلت للفتاة :
ـ لقد شعرت بالزلزال ..
فضحكت وقالت :
ـ تعال .. اجلس هنا واسترح ..
وغيرت مكانى ، واسترخيت على " كنبة " طويلة ..

كان فى هذا المكان الصغير حوالى 12 فتاة للخدمة ، وأربعة أو خمسة من الرواد ، ولا يمكن أن تسمع مع صغر المكان همسة ، وكان المقهى مكيف الهواء وبه جرامافون يرسل موسيقى حالمة يابانية وأوربية ..

وكنا بالنهار ، ولكنه كان مضاء بالقناديل الخفيفة الضوء ، لأن الستائر تحجب كل الأنوار الطبيعية الآتية من الخارج ..

ولا يوجد فى هذا المكان خمر لأنها قهوة صغيرة فقط cofee
ويمكنك أن تشرب فيها الشاى ، والقهوة ، والكاكاو ، والكوكاكولا ، وتجلس لتريح أعصابك ..

ومثل هذه المقاهى الصغيرة الحالمة كثيرة فى طوكيو ، وروادها فى الصباح كثيرون . وفنجانة القهوة أو الشاى بخمسة قروش ، والفتيات العاملات فى هذه المقاهى يرتدين الزى الأوربى ، وكل فتاة حرة فى اختيار الزى الذى يناسبها ، وهن دائما يرفضن البقشيش ، ومعظمهن يعرف الإنجليزية لا لأنهن يختلطن بالأجانب ، بل لأنهن تعلمنها فى المدارس ..

وسألتنى الفتاة :
ـ هل استرحت ..؟
ـ بعض الشىء ..
ـ إذا كنت لاتزال تشعر بالتعب أذهب إلى حمام تركى ..
واعتدلت فى جلستى ، ونظرت إليها فأنا أعرف أن هذه الحمامات مشهورة فى طوكيو ..

وسألتها :
ـ هل يوجد حمام قريب من هنا ..؟
ـ عشر دقائق بالتاكسى ، وسأكتب لك العنوان باليابانية لأن معظم السواقين لا يعرفون لغات أجنبية ..
وكتبت لى العنوان ، وأعطيته لسائق التاكسى فأسرع بى ..

والتاكسى فى طوكيو رخيص جدا فإنه يأخذ منك 70 ين ( سبعة قروش للكيلو مترين الأولين ، ثم ( 20 ين ) قرشين عن كل 570 مترا بعد ذلك ، وحمامات البخار فى طوكيو مشهورة ، وبطوكيو 25 حماما منها ، وهى حمامات أنيقة ونظيفة وبها كل العدد والآلات الحديثة لإزالة الشحم من الأجسام ، وتخليص الجسم من السموم بإفرازات العرق ..

وبقوم بالخدمة فى الحمام فتيات فى سن العشرين ، وكل حمام ينافس جاره فى جلب أجمل الفتيات فى المدينة ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



جنزا : قلب طوكيو الذهبى

جنزا قلب طوكيو الذهبى

إن الحمامات التركية فى طوكيو أكثر الأشياء شهرة وغرابة ، ويأتى إليها السائحون من كل بقاع الأرض .. من أمريكا ، ومن أوربا ، ومن أطراف آسيا . إنها شىء حى وغريب فى المدينة ، ووجه الغرابة أن الذى يقوم بالخدمة فى هذه الحمامات .. فتيات فقط .. فتيات جميلات يستقبلنك عاريا .. وهن شبه عراة .. ليس على أجسامهن البضة سوى " الشورت " .. " الشورت الذى لا يخفى شيئا من فتنتهن ، ولكن هذه الفتنة العارية ، لاتذوب تحت أنفاس البخار كما تتصور .. بل تتحول فى كثير من الحالات إلى لوح من الثلج .. وتدخل الحمام .. إنه عبارة عن بناية فخمة من عدة طوابق ، بناية حديثة على أحدث طرق المعمار ، وتشاهد من الخارج الستر مسدلة على كل النوافذ البللورية ، فتشعر بفضول أكثر ..

وتدخل من الباب إلى بهو دائرى ، ويستقبلك شاب فى مكتب الاستقبال بأدب وانحناء ، بجواره أكثر من آلة تليفونية ، وتعرف منه أقسام الحمام .. هناك حمام مشترك مع آخرين ، ولكل مستحم فتاة تخدمه ، والساعة بألف ين ( جنيه مصرى ) وحمام خاص لك وحدك ، وهو عبارة عن غرفة مفروشة ملحق بها حمام ، والساعة بألف ين أيضا ، وحمام لوكس ، وبالغرفة آلات حديثة لإزالة السمنة ، والساعة بألف وخمسمائة ين ، والحمام المشترك عبارة عن قاعة فسيحة فى وسطها حوض كبير بالرخام والقيشانى ، وعلى الجوانب صناديق البخار ، والحمام فى مظهره وروعته على شكل الحمامات المرمرية التى نراها فى قصور سلاطين آل عثمان فى استانبول ، والحمامات الخاصة والحمامات اللوكس فى الطوابق العليا ، وتركب إليها المصعد ..

وتجد بهوا فسيحا ، به مقاعد جلدية ومقاعد من القطيفة وموائد صغيرة فى الجوانب عليها الزهور ، وفتاة على الطاولة فى لباس أوربى .. تتناول منك تذكرة الدخول وتعطيك رقم الغرفة على بطاقة تحدد فيها الساعة ، وترجوك أن تستريح قليلا حتى يحين الوقت ..

وتجلس بضع دقائق ، وتشاهد وأنت جالس فتيات الحمام رائحات غاديات .. إنهن جميعا يرتدين " الشورت " القصير ، ويضعن شيئا بسيطا يغطى الثدى .. وهن فى سن العشرين جميلات الأجسام كأنهن " موديلات " ووجوههن حلوة التقاطيع ضاحكة ، ولا أحمر على الشفاة والخدود ، والشعر مقصوص ومسرح على طريقة واحدة ، وأقدامهن عارية ، ويتحدثن فى همس ورشاقتهن تسبيك ، ولكن تقبل عليك فتاة أخرى أكثر نضارة وتأخذك من يدك فى ممر طويل أشبه بممر عربات القطار ، وتدخل بك غرفة على بابها رقم .. وتغلق الباب ..

وتجد نفسك فى غرفة فسيحة ، أرضها من الخشب المغطى بالسجاد وبها سرير أنيق مفروش وعليه الوسائد ومنضدة وكراس طويلة عليها الحشايا ، ومشجب ومرآة كبيرة بجانبها أدوات الزينة ، ومن داخل الغرفة الحمام بكل مرافقه ، وعليه ستار من الحرير ..

ثم تأخذك سريعا إلى صندوق البخار وتظل وأنت داخل الصندوق ترعاك وتمسح عرقك الغزير بالمناشف التى فى يدها ، ثم تخرجك من البخار إلى الحمام وعلى حصيرة من الخشب المضفر تدعك جسمك دعكا خفيفا وقويا بالليف والصابون ، ثم تسقطك بعد ذلك فى " البانيو " وهى تضرب بيديها عاتقك ضربا قويا بحركة سريعة وتغير لك درجة حرارة الماء ثلاث مرات ، وبعد هذا تأخذك وأنت عار إلى الفراش ..

وعلى السرير .. تدلك جسمك تدليكا فنيا لمدة ربع الساعة وتسمع طرقعة أصابعها وكفها فى حركة سريعة كأن فى يديها لولبا ، وتشعر بعد التدليك بالراحة والاسترخاء ، وأنك فى حاجة لأن تنام ، فتستريح قليلا ، ثم تلبسك ملابسك حتى الكرافتة ، تربطها لك ، وتسألك هل أنت فى حاجة لأن تشرب شيئا ..

وتختار من الساقية ما تشاء أما هى فلا تستطيع أن تشرب إلا القهوة أو الشاى لأن الخمر محرمة على الفتيات فى أثناء العمل ..

وتجلس بجوارك تحادثك حتى تنقضى الساعة المخصصة لك ، وبعدها تودعها وتنصرف ، وغالبا تعطيها البقشيش ، وهى تقبله فى جميع الأحوال ..

وتخرج إلى البهو ، فلا بد أن تستريح ساعة حتى لايتعرض جسمك للبرد فى الخارج ، ووجدت فى البهو شابا أجنبيا جارا لى فى الفندق ، جاء ليدخل الحمام ، وسألنى :
ـ هل أعجبك الحمام ..؟
ـ إنه رائع ..
ـ وهل هو أجمل الحمامات ..؟
ـ إنها غالبا من طراز واحد ، وكلها لا شبيه ولا مثيل لها فى العالم كله ..
ـ زرتها كلها ..؟
ـ تقريبا .. وهذا آخرها ..
ـ والفتيات جميلات ..؟
ـ إلى حد الفتنة ..
ـ الم تعانق بعضهن ..؟
ـ إن هذا لا يحدث أبدا ..
ـ لماذا وأنت وهى فى غرفة مغلقة ..؟
ـ لأنها لا تعطيك فرصة حتى لو فكرت فى هذا ، ثم هى تنظر إليك كجنتلمان ، فلماذا تعطيها فكرة عكسية ..
ـ فكرت فى شىء أسلم عاقبة ..
ـ ماذا ..؟
ـ عندما تشرع فى خلع ملابسى سأعانقها كأنى شخص " أبلة " والقبلة فى هذا الفم الجميل تساوى الألف ين التى دفعتها فليس قصدى الحمام اطلاقا ..
ـ فكرة رائعة ..
ودخل الحمام ..

وفى اليوم التالى سألته :
ـ هل نفذت فكرتك ..؟
ـ لم أستطع ..
ـ لماذا ..؟
ـ لقد وجدت فى الغرفة بدل الفتاة الواحدة ثلاث فتيات ..

وقد سألنى سائل ، وهل كل الحمامات فى طوكيو ، الغرض منها الاستحمام والصحة والرياضة حقا ، وأنا أقول له طبعا لا .. فإن كل شىء فى الحياة يمكن أن ينحرف لو حولته عن الطريق المخصص له .. وكما انحرفت الكثيرات من بنات الجيشا عن طريقهن الأول ، وأصبح منهن الآن داعرات .. كذلك توجد حمامات فى طوكيو تدخلها للمتعة ، وليس للصحة والرياضة والبخار ..

***

وتشعر بعد الحمام بالجوع الشديد فتدخل مطعما لتتعشى ، والعشاء فى طوكيو يقدم من السابعة والنصف إلى التاسعة مساء ..

وبعد هذه الساعة ترفع المفارش عن الموائد ويصبح المكان قهوة لشرب الكوكاكولا والشاى وكل أنواع المشروبات ، أما الطعام فلا يقدم بعد الميعاد أبدا ، وطعام اليابانى الأرز والسمك واللحم والكرشة والطيور ، وهو يكثر من الشوربة ومن الصلصة على الطعام ، حتى اللحوم المشوية على النار يفسخها فى الصلصة قبل وضعها فى الفحم ..

ومعظم المطاعم فى طوكيو تقدم الطعام الأوربى ، وإذا طلبت مكرونة فى المطاعم الكبيرة فإنهم يأتون بالفرن بجوار مائدتك وتقف ثلاث فتيات ومعهن الطاهى على الفرن النحاسى حتى تستوى المكرونة ثم توضع أمامك فى الصحن بكل ما فيها من بخار ..

وصحن المكرونة ثمنه من عشرة قروش إلى ثلاثين قرشا (300 ين ) وهو طبق كبير يغنيك عن أى شىء آخر ..
وطبق البفتيك من 150 ينا إلى 250 ينا ..
وطبق السمك من 200 إلى 300 ين وطبق الكبدة والكلاوى والطيور كذلك ..

والوجبة لا تكلفك أكثر من سبعين قرشا ، وتدفع ثلاثة أضعاف هذا المبلغ إذا طلبت مثل هذه الوجبة فى محل لاباس بالقاهرة مثلا ..

وكل المطاعم فى طوكيو نظيفة نظافة تامة ومنسقة والزهور والورود على الموائد وفى الأركان ..

والفتيات اللواتى يقدمن الطعام فى أنظف وأجمل ثياب ، وهن يرفضن البقشيش على طول الخط ، وقد لاحظت هذا فى المطاعم الكبيرة التى يضاف فيها خدمة 10% على الطعام وفى المطاعم الصغيرة التى ليس فيها 10% ، وهن فى غاية السرعة والبشاشة . والطعام الرئيسى الأرز والسمك واللحوم ، والفواكه كثيرة ، وأكثرها التفاح والبرتقال واليوسفى ..

وهى رخيصة جدا ، ومعظم تجار الفواكه قريبون من محطات الترام والمترو تحت الأرض ، وفوق الأرض وجميع الأصناف مسعرة ، وتلف فى أكياس ناعمة جميلة ..

والبائع اليابانى لا يغش ويعطيك أجود ما عنده من أصناف ولا يحاول أن يستغلك إذا عرف أنك اجنبى ، فليس من طباعه الاستغلال وهو لايحب المساومة ، وسريع الحركة ..

***

وتستطيع أن تجد فى طوكيو أكثر من مطعم أجنبى .. المطعم الهنجارى والمطعم الفرنسى ، والمطعم الصينى ، والمطعم الروسى ، والمطعم الإيطالى ، والمطعم الأسبانى ..

وفى هذه المطاعم ، الطعام الروسى ، والصينى ، والفرنسى ، والمجرى الخالص ، والخدمة أيضا والموسيقى تأخذان طابع هذه البلاد وجوها ، وهناك مطعم خاص بالبفتيك وحده والطبق بأربعمائة ين ، وهى وجبة شهية ، ويغنى الطبق الواحد عن أى طعام آخر ، والمطعم غاية فى الأناقة والجمال وإذا تناولت العشاء فى الدور الثانى أو الثالث من المطعم وكانت الساعة السابعة مثلا تشاهد من النافذة الحركة الشديدة فى الشوارع .. الأتوبيسات على كثرتها مزدحمة بالركاب ، والترام وكل العربات التى تمر تحتك تراها ممتلئة ، وفيها أكثر من حمولتها ..

وكذلك الرصيف تراه مزدحما بالعابرين ..

ويظل هذا الزحام ساعة كاملة وتفهم أنها الساعة التى يخرج فيها الناس من عملهم إلى بيوتهم ..

***

وفنادق طوكيو كثيرة لا حصر لها ، وهى غاية فى النظافة والنظام ، وفنادق الدرجة الأولى لا مثيل لها فى العالم من حيث الفخامة والروعة وجميع الفنادق تحرص دائما على راحة النزلاء ، وتسهل كل الوسائل لهم ، وبمعظم الفنادق مكاتب البريد ، والتلغراف ، ومكاتب تغيير العملة ، ومكتب السياحة ، وكل الفنادق بها غرف يابانية خالصة وغرف أوربية ..

وأجر الغرفة اليابانية من 120 قرشا فى الليلة الواحدة إلى جنيهين ..
وأجر الغرفة الأوربية من 180 قرشا إلى أربعة جنيهات فى الليلة الواحدة دون الطعام ..

وكل الغرف بها جهاز تكييف وتليفون وملحق بها حمام خاص ..

والطعام فى هذه الفنادق بمواعيد محدودة ، وإذا فاتك العشاء فى المطعم الرئيسى يمكنك أن تتعشى فى أى وقت فى مطعم تحت الأرض فى الفندق نفسه يظل مفتوحا إلى الساعات الأخيرة من الليل ..

***

الليل فى طوكيو

وملاهى طوكيو لا نظير لها فى العالم فى الفخامة والروعة والجمال .. المسرح والسينما والمرقص والكباريه والبار .. كل واحد من هؤلاء اجتمع على رسمه وزخرفته أكثر من فنان ، حتى جاء تحفة عديمة النظير ..

وفى طوكيو أكثر من ثمانية عشر الف ملهى ، وفى حى جنزا وحده اثنا عشر الفا ..

وجنزا قلب طوكيو الحى .. قلبها الذى لا ينام ، وعندما تخطو فى هذا الحى فى الليل تسحر بأنواره الحالمة ، وبألوانه الزرقاء والبنفسجية وقناديله الصغيرة على الأبواب ، وبالموسيقى الشجية التى تسمعها من وراء الستر المسدلة ، وبأنفاس العطر الهاجم .. إنها جميعا على نسق واحد فى الجمال ولكن لكل ملهى زخارفه وطابعه ، وأبوابها جميعا صغيرة ، ومن الزجاج المطعم بالزخرفة وعليها أسجاف من الستر .. إن اليابانى لا يعرض مباذله على الناس أبدا ، وكل شىء من وراء حجاب ..

وفى داخل البار تجد سربا من الفتيات وراء الكئوس ، ويقدمن لك الكأس ويحادثنك ويسلينك وهن يرتدين اللباس اليابانى .. الكومينو ، أو اللباس الأوربى .. الجونلة والجاكت .. أو الفستان من قطعة واحدة ، وأحيانا البنطلون والبلوزة ، وهن أنيقات ، دمثات .. والساقية لا تغريك بالشراب أبدا ، وتكتفى بكأس واحدة وتحادثك وتسليك ساعات ..

وفى المراقص تشاهد كل أنواع الرقص ..

والراقصات عاريات الصدور تماما ، فإن النهود لا تغطى فى ملاهى طوكيو ، وأجر الدخول فى هذه الملاهى لا يتجاوز ثلاثين قرشا .. والمسارح فى طوكيو على غرار المسرح الصينى .. وتشاهد جسرا كبيرا فى الصالة يتحرك عليه الممثلون حتى يصبحوا وسط الجمهور ، والإخراج لا حد له فى الروعة ، والروايات معظمها خرافية تعالج فكرة الخير والشر ، وعاقبة الشرير ، وتحض على الإخلاص والوفاء ، وتضحية النفس وهى صفات الأبطال فى التاريخ ..

والمسارح غاصة بجمهور الرواد ، واليابانيون مولعون بها ، ويقبلون عليها والمسرحية تمثل شهورا متتالية ..

وفى طوكيو دور كثيرة للسينما وهى فخمة رائعة البناء .. وكل سينما لها مواعيد خاصة .. فبعضها فى الساعة العاشرة صباحا ، 12,30 و 3,45 و 5,10 و 7,35 وبعضها فى 9,5 و 11,50 و 1.50 و 3,5 و 5,5 و 7,50 وهى تعرض الأفلام الأمريكية واليابانية ، والأسعار من 15 قرشا إلى ثمانين قرشا للتذكرة .. والجمهور فى غاية الأدب والنظام والتدخين ممنوع كلية وكذلك تناول أى شىء فى داخل القاعة ..

إذا أردت شيئا فاذهب إلى البوفيه ..

ولا يمكن أن تشاهد فى داخل السينما شابا يقبل فتاة أو يعانقها ، أو حتى يمسك بيدها .. فاليابانى يصل إلى الذروة فى الأدب ، ولا يحب أبدا أن يؤذى إحساس جاره بأية حركة نابية ..

كما لا يمكن أن تشاهد فى الشارع ليلا رجلا يخاصر سيدة ، أو يمسك بيدها ، واليابانى يشرب الساكى كما تشرب أنت الماء ، ولكن برغم هذا لا يحدث أبدا أن يسمع سيدة كلمة بذيئة ، أو يخرج من فمه لفظ يجرح شعور الناس ، كما لايمكن أن تراه يطارد فتاة بكلمات الغزل ، لا فى الحديقة ولا فى الشارع ولا فى أى مكان ، والأدب هو الطابع العام ..

***

وفى شوارع جنزا فى الليل تجد النساء لابسات المعاطف والفرو ..
وتجد الصبيان الصغار الذين يتسولون ، ويقطعون عليك الطريق يطلبون القرش ..
ولكن هؤلاء جميعا يبتعدون عنك إذا رددتهم بكلمة رفض واحدة ..

***

وإذا سكرت وسرت فى الظلام تجد فى هذه المدينة الكبيرة السكير والشرير طبعا ..

ولكن بجانب هذا تجد رجل " البوليس " الرجل النادر المثال .. الرجل الذى ليس له شبيه فى العالم المتحضر كله .. إنه وحده فى كشك صغير ، فلا يوجدأقسام " للبوليس " فى مدينة طوكيو خلاف هذه المراكز الصغيرة ، على أبعاد متقاربة فى الشوارع والميادين ، وتجده نظيف الملبس أنيقا مهذبا على ثقافة عالية ومعرفة تامة ، بكل شبر فى المدينة ..

وقد دهشت أمام هذه المعرفة وهذه الثقافة ، وسألت عن السبب ، فقيل لى إن رجل " البوليس " فى طوكيو يربى ويدرب على أن يكون هكذا من 150 سنة فتاريخه طويل ، ويمر على مراحل طويلة ، حتى يختار فى هذا المركز الدقيق ..

وفى هذا " الكشك " يكون وحده ، أو يكون معه من يعاونه على حسب مساحة المنطقة وعنده كل الأجهزة الحديثة للاتصال ، ومسدس واحد ( لا يستعمله أبدا ) لأن عربة " بوليس " النجدة تصله بعد نصف دقيقة ..

وهو يجيد المصارعة اليابانية ولكنه مع الشرير يستعمل دهاءه وخبرته ووداعته ، فترى هذا ينكمش ويصبح كالحمل ..

وإذا سألته عن الطريق بش فى وجهك وتلقاك بالتحية التى يقابل بها الغريب ، وتعجب لهذه الوداعة كلها ، ولكن بعد أن تعرف تاريخه الطويل وكيف يختار يزول العجب ..

وطوكيو الآن تتيه على كل مدن العالم ، لأن بها رجل " بوليس " لا شبيه له فى أية مدينة فى الكرة الأرضية ..

القطار الحالم فى ليل طوكيو

القطار الحالم فى ليل طوكيو


إن شبكة المواصلات فى طوكيو عديمة النظير ، إنها شىء مريح وسريع ومتألق ، وبالغ الحد فى الضخامة ، وكما أنك لا تستطيع أن تعرف العدد الحقيقى الذى توزعه جريدة أساهى ، لضخامته ، كذلك لا تستطيع أن تعرف العدد الحقيقى للسيارات فى المدينة ..

إنه رقم يدير الرأس ، ومع هذا العدد الضخم من العربات والسيارات ، من كل الأنواع وكل الأحجام ، ومع المترو الذى يمر فوق الأرض كالسهم الذى ينطلق فى جوف الأرض كالصاروخ ، ومع الترام الذى يمر فى كل دقيقة ، فإنك ترى الزحام بالغا أشده فى ساعات معينة من النهار والليل ، كما يحدث فى كل مدينة ..

وطوكيو مدينة لا يعرف موضع قدمه فيها أجنبى مهما عاش ، ولا يوجد رجل من موظفى السلك السياسى يستطيع أن يذهب وحده إلى مصرف ، أو يخطو خطوة فى المدينة دون دليل . والدليل هو سائق السيارة اليابانى ، وتستطيع بكل سهولة أن تركب تاكسى ، وتمضى فيها ولكنك تدرك بعد ساعة أنك تلف فى دوامة لا أول لها ولا آخر ..

ودخلت ذات مرة محلا فى جنزا لأتفرج على ولاعة موسيقية ، ولما سألت عن ثمنها قال لى مرافقى إننا نستطيع أن نشتريها بأقل من هذا الثمن إذا ذهبنا إلى محل آخر فى ناحية من المدينة ..

وركبنا تاكسى ، ودفعت 70 قرشا فقط لنصل إلى المحل ، ومع أن التاكسى رخيص جدا فى طوكيو نصف أجره فى القاهرة ، ولكن المدينة ضخمة ولها محطة سكة حديدية تعد أضخم وأجمل وأكبر محطة فى الشرق يدخلها أكثر من ألف قطار فى اليوم الواحد ..

ويخرج من هذه القطر نصف مليون راكب فى اليوم يتدفقون كالسيل على المدينة الحالمة ..

والسيارات منها الألمانى والأمريكى والفرنسى ، إلى جانب اليابانى ، ولكن المترو كله من صنع اليابان . إن مركباته آية فى الفخامة ، وكراسيها من القطيفة الزرقاء ومن الجلد المطرز بالحرير . والقطار يجر ثلاث وأربع عربات طويلة عليها الستر وبها المقابض ، وكلها درجة واحدة ، وهناك مكان للوقوف فى كل عربة يسع أكثر من ثلاثين شخصا ..

ومن هذه القطر السريع الذى يقف فى المحطات الكبيرة فقط والبطىء الذى يقف فى كل المحطات ، والأبواب تفتح وتغلق أتوماتيكيا ، والإضاءة قوية ساطعة بالنيون والفلورسنت ، والتدخين ممنوع كلية فى داخل العربات ..

وليس بالعربة كمسارى ، وإنما هناك رجل فى مؤخرة القطار يذيع أسماء المحطات بالميكرفون كلما وقف القطار ، وينبه إلى الرصيف إن غير القطار الرصيف ..

وتركب هذا المترو من محطات عدة ، فى طول طوكيو ، تنزل إليه عدة سلالم رخامية ، والحوائط بالقيشانى ، وفى بهو المحطة تجد أسماء المحطات على الجدران ، والآلات الأتوماتيكية التى تعطيك التذكرة تدفع عشرين ينا فى الآلة فتسقط التذكرة ، وتدخل المحطة ، لتركب القطار ..

وعندما تنتهى جولتك ، تقدم هذه التذكرة لعامل الباب وأنت خارج فالرقابة كلها محصورة عند عمال الأبواب فى المحطات ، ولا داعى لوجود الكمسارى فى داخل القطار إطلاقا ..

إن الركاب فى هذه القطر ليسوا من طبقة واحدة . فركاب الإكسبريس غير ركاب القطارات البطيئة ، وفى القطارات البطيئة تجد الفقراء والعمال ومتوسطى الحال ، وتجد الفلاحين بملابسهم اليابانية البحتة ومعهم ماتسوقوه من المدينة . وفى القطر السريعة تجد الموظفات الأنيقات بالملابس الأوربية والموظفين فى الشركات والبنوك الذين يسكنون فى الضواحى ، وتجد السائحين الذين يتطلعون إلى نظرة فى الليل الحالم ..

إن القطار يمضى بك فى جوف الليل وسط مناظر ساحرة خلابة تنسيك كل متاعب النهار . ترى المدينة بكل جمالها كاشفة عن مفاتنها فى الليل الحالم كما تكشف الحسناء عن صدر عليه حبات اللؤلؤ والمرجان متناثرة فى فتنة .

ترى الأنوار على امتداد الأفق ، تظهر ثم تختفى ، وفى كل ضاحية تبدو المنازل الخشبية الواطئة ، وأمامها الأنوار الزاهية وعليها الفوانيس وبالونات الورق مشتعلة بكل الأنوار باللون الأحمر والأزرق ، والبنفسجى . وإذا سقط رذاذ المطر حول الأرض إلى جرانيت مصقول ، والسقوف ، والمنازل المضيئة إلى منابر من الذهب ..

والجو مألوف لك حتى فى الليالى الباردة ، وتستطيع أن تفتح النافذة وتضم عليك المعطف ، وتسبح مع القطار فى الليل الحالم ..

إن المرأة اليابانية تحب الحديث . وإذا جلست اثنتان معا خرس لسان الشيطان ولكننى وجدت سربا من الحسناوات فى القطار السريع صامتات وإذا تحدثن همسن وكنا جميعا يرتدين الكومينو الطويل الأكمام ، وكن ذاهبات مثلى إلى نهاية الجولة ، وفى رءوسهن أحلام العذارى ..

ونجد فى محطات المترو السجائر والشيكولاته والتفاح ، والصحف ، والمجلات ..

الصحافة . وأساهى . رقم مذهل فى التوزيع

والصحافة فى طوكيو توزع أكبر عدد يتصوره عقل بشرى . إن جريدة أساهى التى تنكر توزيعها الحقيقى توزع ستة وسبعة ملايين نسخة فى اليوم الواحد ، وهو رقم مذهل فى الصحافة اليومية ..

وهذا الرقم يوزعه الصبيان وتلاميذ المدارس الصغار فى بكرة الصباح على البيوت والشركات والبنوك نظير أجر بسيط ولهذا لا ترى اليابانى فى طوكيو يقرأ الصحيفة أبدا فى المترو والترام ، كما تشاهد فى لندن وبرن وباريس وروما ..

وتوزيعها بوساطة الصبيان يغرس فى نفوسهم حب العمل من الصغر ويعلمهم الاستقلال والاعتماد على النفس ويحبب إليهم التكسب ..

وأهم الصحف فى طوكيو جريدة أساهى ، وجريدة ماينيشى ، وجريدة يوهيورى ..

وهى جرائد صباحية ومسائية ، وتصدر طبعات باللغة الإنجليزية كما أن صحيفة جابان نيوز ، والتيمز اليابانية تصدران باللغة الإنجليزية ..

ودور هذه الصحف بعضها ضخم ضخامة كبيرة ، وإذا أردت أن تقارن ، فاضرب دار الأخبار فى خمسين ضعفا ..

وجريدة جابان نيوز تضع على صدرها هذا الشعار " الأخبار ، من غير خوف ، أو رغبة " والإعلانات المبوبة فى جرائد طوكيو تقرأ فيها كل شىء بحرية ، حتى عن السيدة الأمريكية التى فى حاجة إلى مرافقة شاب إلى مدينة فوجى " مدينة هادئة خلابة " وصحبة رفيق إلى سيزى " بحيرة فاتنة " وحتى الرسام الذى فى حاجة إلى موديل والأسرة التى فى حاجة إلى طاهية حسناء ، والغرفة المفروشة الأنيقة عند الأسرة المحترمة ..

والصحف مبوبة تبويبا رائعا ، ومخرجة إخراجا جميلا ، وتصدر بأحدث آلات الطباعة ، وأسرعها وأضخمها ..

وتعنى بالأدب والسينما والمسرح ، والثقافة عامة والأخبار الداخلية والأخبار العالمية ..

والإعلانات تشغل جانبا مهما وحيويا : إعلانات كبيرة عن شركات الاطارات والبلاستيك ، واللؤلؤ ، والمطاط ، والخمور ، والنايلون ، وإعلانات عن الملاهى المثيرة ، مصورة ، ومتألقة ، وإعلانات عن أماكن السياحة . والجريدة من 8 صفحات وتباع بما يوازى عشرة مليمات ..

***
وهى جرائد صباحية ومسائية ، وتصدر طبعات باللغة الإنجليزية كما أن صحيفة جابان نيوز ، والتيمز اليابانية تصدران باللغة الإنجليزية ..

ودور هذه الصحف بعضها ضخم ضخامة كبيرة ، وإذا أردت أن تقارن ، فاضرب دار الأخبار فى خمسين ضعفا ..

وجريدة جابان نيوز تضع على صدرها هذا الشعار " الأخبار ، من غير خوف ، أو رغبة " والإعلانات المبوبة فى جرائد طوكيو تقرأ فيها كل شىء بحرية ، حتى عن السيدة الأمريكية التى فى حاجة إلى مرافقة شاب إلى مدينة فوجى " مدينة هادئة خلابة " وصحبة رفيق إلى سيزى " بحيرة فاتنة " وحتى الرسام الذى فى حاجة إلى موديل والأسرة التى فى حاجة إلى طاهية حسناء ، والغرفة المفروشة الأنيقة عند الأسرة المحترمة ..

والصحف مبوبة تبويبا رائعا ، ومخرجة إخراجا جميلا ، وتصدر بأحدث آلات الطباعة ، وأسرعها وأضخمها ..

وتعنى بالأدب والسينما والمسرح ، والثقافة عامة والأخبار الداخلية والأخبار العالمية ..

والإعلانات تشغل جانبا مهما وحيويا : إعلانات كبيرة عن شركات الاطارات والبلاستيك ، واللؤلؤ ، والمطاط ، والخمور ، والنايلون ، وإعلانات عن الملاهى المثيرة ، مصورة ، ومتألقة ، وإعلانات عن أماكن السياحة . والجريدة من 8 صفحات وتباع بما يوازى عشرة مليمات ..

***
وهى جرائد صباحية ومسائية ، وتصدر طبعات باللغة الإنجليزية كما أن صحيفة جابان نيوز ، والتيمز اليابانية تصدران باللغة الإنجليزية ..

ودور هذه الصحف بعضها ضخم ضخامة كبيرة ، وإذا أردت أن تقارن ، فاضرب دار الأخبار فى خمسين ضعفا ..

وجريدة جابان نيوز تضع على صدرها هذا الشعار " الأخبار ، من غير خوف ، أو رغبة " والإعلانات المبوبة فى جرائد طوكيو تقرأ فيها كل شىء بحرية ، حتى عن السيدة الأمريكية التى فى حاجة إلى مرافقة شاب إلى مدينة فوجى " مدينة هادئة خلابة " وصحبة رفيق إلى سيزى " بحيرة فاتنة " وحتى الرسام الذى فى حاجة إلى موديل والأسرة التى فى حاجة إلى طاهية حسناء ، والغرفة المفروشة الأنيقة عند الأسرة المحترمة ..

والصحف مبوبة تبويبا رائعا ، ومخرجة إخراجا جميلا ، وتصدر بأحدث آلات الطباعة ، وأسرعها وأضخمها ..

وتعنى بالأدب والسينما والمسرح ، والثقافة عامة والأخبار الداخلية والأخبار العالمية ..

والإعلانات تشغل جانبا مهما وحيويا : إعلانات كبيرة عن شركات الاطارات والبلاستيك ، واللؤلؤ ، والمطاط ، والخمور ، والنايلون ، وإعلانات عن الملاهى المثيرة ، مصورة ، ومتألقة ، وإعلانات عن أماكن السياحة . والجريدة من 8 صفحات وتباع بما يوازى عشرة مليمات ..

***
وهى جرائد صباحية ومسائية ، وتصدر طبعات باللغة الإنجليزية كما أن صحيفة جابان نيوز ، والتيمز اليابانية تصدران باللغة الإنجليزية ..

ودور هذه الصحف بعضها ضخم ضخامة كبيرة ، وإذا أردت أن تقارن ، فاضرب دار الأخبار فى خمسين ضعفا ..

وجريدة جابان نيوز تضع على صدرها هذا الشعار " الأخبار ، من غير خوف ، أو رغبة " والإعلانات المبوبة فى جرائد طوكيو تقرأ فيها كل شىء بحرية ، حتى عن السيدة الأمريكية التى فى حاجة إلى مرافقة شاب إلى مدينة فوجى " مدينة هادئة خلابة " وصحبة رفيق إلى سيزى " بحيرة فاتنة " وحتى الرسام الذى فى حاجة إلى موديل والأسرة التى فى حاجة إلى طاهية حسناء ، والغرفة المفروشة الأنيقة عند الأسرة المحترمة ..

والصحف مبوبة تبويبا رائعا ، ومخرجة إخراجا جميلا ، وتصدر بأحدث آلات الطباعة ، وأسرعها وأضخمها ..

وتعنى بالأدب والسينما والمسرح ، والثقافة عامة والأخبار الداخلية والأخبار العالمية ..

والإعلانات تشغل جانبا مهما وحيويا : إعلانات كبيرة عن شركات الاطارات والبلاستيك ، واللؤلؤ ، والمطاط ، والخمور ، والنايلون ، وإعلانات عن الملاهى المثيرة ، مصورة ، ومتألقة ، وإعلانات عن أماكن السياحة . والجريدة من 8 صفحات وتباع بما يوازى عشرة مليمات ..

***

وهى جرائد صباحية ومسائية ، وتصدر طبعات باللغة الإنجليزية كما أن صحيفة جابان نيوز ، والتيمز اليابانية تصدران باللغة الإنجليزية ..

ودور هذه الصحف بعضها ضخم ضخامة كبيرة ، وإذا أردت أن تقارن ، فاضرب دار الأخبار فى خمسين ضعفا ..

وجريدة جابان نيوز تضع على صدرها هذا الشعار " الأخبار ، من غير خوف ، أو رغبة " والإعلانات المبوبة فى جرائد طوكيو تقرأ فيها كل شىء بحرية ، حتى عن السيدة الأمريكية التى فى حاجة إلى مرافقة شاب إلى مدينة فوجى " مدينة هادئة خلابة " وصحبة رفيق إلى سيزى " بحيرة فاتنة " وحتى الرسام الذى فى حاجة إلى موديل والأسرة التى فى حاجة إلى طاهية حسناء ، والغرفة المفروشة الأنيقة عند الأسرة المحترمة ..

والصحف مبوبة تبويبا رائعا ، ومخرجة إخراجا جميلا ، وتصدر بأحدث آلات الطباعة ، وأسرعها وأضخمها ..

وتعنى بالأدب والسينما والمسرح ، والثقافة عامة والأخبار الداخلية والأخبار العالمية ..

والإعلانات تشغل جانبا مهما وحيويا : إعلانات كبيرة عن شركات الاطارات والبلاستيك ، واللؤلؤ ، والمطاط ، والخمور ، والنايلون ، وإعلانات عن الملاهى المثيرة ، مصورة ، ومتألقة ، وإعلانات عن أماكن السياحة . والجريدة من 8 صفحات وتباع بما يوازى عشرة مليمات ..

***

وبطوكيو أعظم وكالات أنباء فى العالم ، وتذيع الأخبار من طوكيو قبل بكين ، وفى طوكيو وكالة الاسوشيتدبرس ، واليونيتدبرس ، ووكالة الأنباء الفرنسية ، ووكالة رويتر ، ووكالة الأنباء المركزية للصين ..

ووكالة كيودو هى أكبر وكالة توافى بأنبائها الصحف ، وبعدها فى المدينة وكالة جيجى ..

وفى طوكيو مكاتب لكل المجلات العالمية ، للايف والريدرز دايجست والتايمز والقيم ، والموند ..

وللإذاعة أربع محطات كبيرة فى طوكيو ، ومبانيها على أحدث ما وصل إليه العقل البشرى فى المعمار وأدخل التليفزيون فى عام 1953 ..

واليابانى كما يقرأ الصحف المثيرة يقرأ الكتب ، وبطوكيو مكتبات ضخمة فيها كل كتب العالم باللغات الإنجليزية والألمانية والفرنسية والروسية ، ولا توجد أمية فى اليابان ..

والتعليم الإبتدائى إجبارى وكذا فى المرحلة الثانوية المتوسطة ..

وجامعة طوكيو أقدم جامعة أنشئت منذ سنة 1869

وقد راعنى مكتبة كلية الحقوق بهذه الجامعة بها ملايين الكتب والمراجع ، ثم قسم الجراحة بكلية الطب ..

وقبل أن ندخل هذا القسم ، وهو مبنى على أحدث طرق البناء ومزود بكل العدد والآلات الحديثة ، ونظافته لا حد لها .. خلعنا أحذيتنا ، وألبسونا معاطف بيضاء ، وأخفافا ، وكانت الفتيات اللائى تلبسنا هذه الأشياء ترتدين المعاطف نفسها ..

وكانت هناك جراحة خطيرة دقيقة فى القلب ، وقد اكتفيت بالجلوس على كرسى ومشاهدة العملية بالتليفزيون ، وأحيانا كنت لا أستطيع أن أتطلع إلى شاشته وأغلق عينى ..

وتستطيع بكل بساطة أن تقول إن الجراحة فى اليابان لا تقل عن الجراحة فى أمريكا وفى أوربا ..

واليابان تهتم بتعليم كل فرد فى الدولة حتى الصم والبكم ، وقد انشئت لهم أول مدرسة فى مدينة طوكيو فى سنة 1923 ومن سنة 1948 أصبحت الدراسة عليهم إجبارية وحتمية ..

وبطوكيو الآن مائة مدرسة ومدرسة لهؤلاء وبها أربعة آلاف مدرس . والتعليم والطعام مجانا ، وقد راعتنى الموسيقى التى يعزفها هؤلاء الأطفال والأشغال اليدوية التى يجيدونها إجادة تامة ثم ذكاؤهم الخارق ..

وبالقسم الداخلى فى كلية البنات المراتب على الحصير والاستذكار على " الشلت " والجو اليابانى الخالص . وكان كل أربع فتيات ينمن فى حجرة والعناية بالغة بالتدبير المنزلى ، وتربية الأطفال ، ثم النظافة التامة وخلعت حذائى وأنا أدخل عنبر البنات ..

القمار فى قلب العاصمة

إنك بعد أن تخرج من محطات المترو فى حى شمباسى تشاهد محال القمار بكثرة ، محال كبيرة من طابق واحد ، ومن طابقين ، ويقف الجمهور وراء صفوف متراصة من الآلات الأتوماتيكية يسقط البلى ، ويتمنى الربح والحظ السعيد ..

إنها آلات " ساحرة " واللعبة نفسها أكثر سحرا وأسرا ، بدليل أننى كنت أجول خمس ساعات فى الليل وأعود فأرى الوجوه نفسها واقفة وراء هذه الآلات وقالت لى الفتاة الجميلة الجالسة وراء الخزانة فى محل من هذه المحال :
ـ تفضل والعب .. جرب حظك ..
ـ أشكرك .. إننى أكتفى بالمشاهدة ..
ـ ولماذا لا تلعب .. إذا خسرت تعال وسأعطيك كل ما فى خزانتى ..
ـ إذا لعبت مرة سأجىء إلى هنا كل يوم من السابعة ، ولن أرى بعد ذلك شيئا فى طوكيو ..
وابتسمت وكانت تعرف مبلغ ما فى القول من صدق ..

إن هذه الآلات الجهنمية الساحرة رأيت مثلها فى مدينة كونستنرا منذ عشرين سنة وكنا نمضى النهار والليل فى الكازينو وراء هذه الآلات الجهنمية ، ولا نبرح المكان أبدا ، وكان فى الطابق الثانى من الكازينو فى ذلك الوقت كل حسناوات العالم ، جئن من أطراف الأرض يتصيدان الرجال ، ومع هذا كنا لا نراهن لأن اللعبة السحرية كانت تستغرق كل وقتنا وتستهوى كل مشاعرنا ..

***

البيت اليابانى

فى مأدبة عشاء تقدمت لى سيدة أنيقة ترتدى الكومينو القصير الأكمام ، وهذا علامة على أنها سيدة متزوجة وليست عذراء وكان بيدها آلة تصوير ، وطلبت أن تأخذ لى صورة .. فقلت :

ـ أوافق بشرط أن تعطينى صورة لك ..

فاحمر وجهها احمرارا لا مثيل له ، وارتبكت ، وتصورت أننى قلت لها كلاما لا يليق ، ولاحظت ارتباكها ، فابتسمت وتجاهلت شرطى ، والتقطت الصورة ، وجاء فى أثناء ذلك زوجها فقدمته لى ، وكان " بروفوسير " وذا ذقن مدببة ، وقد درس سبع سنوات فى لندن ، ومع هذا فلهجته الإنجليزية فيها لكنة . واليابانى لايستطيع مهما درس فى الخارج أن ينطق الحروف الإنجليزية سليمة أبدا ..

وتبسط الأستاذ وزوجته معى فى الحديث وتحدثنا عن المسرح فى طوكيو ، وسألنى الرجل :
ـ هل أعجبتك طوكيو ..؟
ـ إنها فوق كل تصورات الخيال ..
ـ ورأيت كل الأشياء الجميلة التى فيها ..؟
ـ أحاول ذلك بقدر المستطاع ..
ـ وهل رأيت الريف اليابانى ..؟
ـ ذهبت إلى هناك الأسبوع الماضى ..
ـ وما هى ملاحظاتكم على الفلاح ..؟

ـ إنه نظيف ، ومنظم فى عمله ، ومجتهد للغاية . فالفدان الواحد يقسمه إلى أربعة وخمسة وستة أقسام ، وراعنى التقسيم الهندسى الرائع للأرض برغم أنه يستعمل يديه ، ولاحظت أنه يعتمد اعتمادا كليا على زوجته وعلى الحصان ..

وضحكت زوجة البروفوسير ، وقالت لى برقة :
ـ إننا هنا فى طوكيو ، ليس عندنا أحصنة على الإطلاق ..

والمرأة اليابانية تعمل فى الريف منذ مئات السنين بعكسها فى المدينة ، فإنها لم تخرج من البيت إلا منذ سنوات قليلة ..

وقبل انتهاء الحفل دعانى الرجل لأتناول الشاى فى بيته فقبلت الدعوة مسرورا وذهبت إليه فى ليلة من ليالى الخميس ، وقال لى الرجل وهو يستقبلنى بالكومينو على الباب ..

ـ لقد رأيت أن يكون كل شىء طبيعيا ، فى حياتنا وملبسنا ، لتعرف عاداتنا ..
وهذا صحيح ، فإن اليابانى الذى يلبس اللباس الأوربى فى خارج البيت ، فى الجامعة ، وفى البنك ، وفى الشركة ، وفى المصنع يرتدى الملابس اليابانية البحتة فى بيته ويحتفظ بكل تقاليده وعاداته لا يغيرها أبدا ..

وكان مسكن الرجل فى الطابق الثانى من بناية قديمة ، وبعد أن اجتزت العتبة ببضع خطوات ، وجدت الحصير فى المدخل وكان الرجل يود أن البس الخف فوق الحذاء ولكننى رأيت أن أفعل مثلهم ، وخلعت حذائى ، ومشيت فى ممشى مفروش بالحصير ، حتى وصلت قاعة الشاى ، وكانت فسيحة وشرقية ، ونوافذها زجاجية مسدل عليها الستر ، ورأيت شيئا أشبه بالطاولة فى وسط القاعة ، وعليه أكواب الشاى ..

وجلسنا إلى الطاولة على حشيات ، ولاحظت أن زوجة الرجل خارجة من الحمام توا ..

وكنت أود أن أسأل بعض الأسئلة ، ولكننى خفت من احمرار وجهها مرة أخرى ، فصمت ..

وشربت الشاى مثلهم من غير سكر ، أو لبن ..

والمرأة اليابانية تستحم مرتين فى اليوم على الأقل ، ولذلك تعنى بالحمام عناية فائقة ، وحتى الفلاحة فى الريف تجد فى بيتها بانيو من الصاج أو أية مادة أخرى وتخصص مكانا للحمام بأية وسيلة لأنها ضرورة من ضرورات حياتها ..

كان بيت الرجل من حجرتين كبيرتين ، ولكن هاتين الحجرتين تنقلبان إلى أربع وخمس غرف صغيرة بوساطة فواصل متحركة فى وقت النوم ..

وهم يعنون بقاعة الشاى عناية فائقة ، وهى مكان طعامهم وسمرهم وسهرهم وفى حجرة النوم ترى المراتب والملابس والفراش كلها فى داخل الحوائط ، ولا ترى فى الحجرة إلا مكانا مرتفعا بمقدار قراريط عن الأرض توضع فوقه " المراتب " فى الليل . والأرضية كلها من الخشب المغطى بالحصير الأبيض النظيف ، وفى أطرافه حواش جميلة ..

وهناك باقات من الزهور فى كل مكان ..

والأرض والحوائط كلها كأنها مغسولة بالماء والصابون والفرشاة منذ لحظات ، نظافة تامة لا حد لها فى كل مكان ..

وهناك تماثيل لبوذا ، إلههم المعبود ، وأوان من الخزف ، ومن الصين المطعم ، وزهريات جميلة وصنادل مرتفعة من الخشب ، وتلبسها المرأة إذا خرجت إلى الطريق ..

وإلى جانب كل هذا القديم كان فى البيت راديو وتليفزيون ، ومعطف للأستاذ من النايلون الخالص ..

ولم يكن فى بيت الرجل أطفال ، ولعله متزوج حديثا ، أو استعمل خبرته كعالم ليمنع الحمل ، وكان هناك فتاتان جميلتان تقدمان لنا الشاى ، وتتحركان فى رشاقة الطاووس ، وكانت إحداهن أجمل من السيدة وأنضر ، وأكثر عذوبة ورقة ..

وسألت السيدة هامسا :
ـ هل هذه الفتاة من بنات الجيشا ..؟
فقالت مبتسمة :
ـ لا .. إن الجيشا غالية الثمن .. ونحن فقراء ..
ـ وهل تسمحين لإحداهن .. أن تعيش هنا ..
ـ أنا ضعيفة جدا فى هذه المسألة فأرجو أن تعفينى من هذا السؤال ..
وعاد إلى وجهها الاحمرار ..