السبت، ١ ديسمبر ٢٠٠٧

طوكيو : مدينة الجمال

طوكيو .. مدينة الجمال


" إن طوكيو مدينة جميلة وجمالها نادر المثال ، وليس هذا لأن فيها أجمل النساء ، فإن أجمل النساء فى العالم فى مدينة بوخارست ، أو لأن بها ناطحات السحاب ، فإن أعظم ناطحات سحاب فى العالم فى مدينة نيويورك ، أو لأن مناظرها الطبيعية خلابة ، فإن أجمل المناظر الطبيعية التى يمكن أن يشاهدها الإنسان فى سويسرا وفى ريف النمسا .
إن طوكيو جميلة لأن روحها جميلة ..

إنها تستقبلك فاتحة لك ذراعيها وتضمك فى حنان ، ليس فيها شىء منفر على الاطلاق .

إن المتاعب التى تلاقيها فى المطار تنساها بعد لحظة بمجرد أن تتنفس هواء المدينة لأنك تعرف أن سببها هو الاحتلال الأمريكى ، إنهم يبحثون عن السجاير والويسكى فى كل حقيبة من حقائب المسافرين ، ولكن بعد أن يدور السلم الكهربى بالحقائب ، وتقف أنت تحت خريطة طوكيو المضيئة تشرب الشاى ، أو تتحدث فى التليفون ، أو ترسل برقية إلى العالم الخارجى ، تدرك أنك فى مدينة عظيمة وكل من فيها يحبك ..

إن أهلها فى منتهى الأدب ومنتهى السماحة ومنتهى اللطف ، إنك تدخل إلى مشرب لتتناول شيئا أو تستريح قليلا فترى صاحبه ينحنى لك فى أدب وكذلك الجرسون ، وكذلك كل شخص تلاقيه وتحادثه .

وإذا سرت فى الشارع يصبح مألوفا لديك أن ترى رجلين قد أوقف كل منهما سيارته فى جانب الطريق وأخذا ينحنيان لبعض ، وتعرف أن رفرف أحدهما لمس رفرف الآخر لمسة خفيفة ، وهذه هى طريقة الاعتذار ..

وترى سيدة صغيرة تقف أمام سيدة أكبر منها ، وتنحنى لها فى خشوع ورقة عدة مرات ، وتعرف أن هذه هى التحية المألوفة من السيدة الصغيرة للكبيرة فى اليابان ..

وإذا ركبت السيارة أو الترام ، وسبقك شخص إلى الركوب ، وشعر بخطئه ، فإنه ينحنى ويظل يعتذر لك ، وسائق " التاكسى " يشكرك بأدب بعد " المشوار " ولابد أن تشكره أيضا ، وكمسارى الترام ، وكمسارية الأتوبيس .. يتلقى منك ثمن التذكرة بأدب وانحناء ، وإذا سألته عن محطة لا تعرفها وعرف أنك غريب خصص نفسه لخدمتك ، وأظهر لك كل سجايا بلاده الحميدة ، وهذا الأدب واللطف فى المعاملة تراهما فى كل خطوة ..

***

وإذا سرت فى الشارع بعد الساعة التاسعة صباحا لتستعرض الحوانيت والمارة فإنك ستجد فى الحوانيت الأناقة والتخصص .. فهذا محل يبيع أحذية السيدات فقط ، وهذا يبيع الولاعات ، وهذا يبيع مراوح اليد الناعمة ، وهذا يبيع الحرير ، وهذا يبيع الحقائب ، وستجد النظافة التامة ، والنظام ، وحسن العرض ، والرقة فى معاملة العميل ، وعدم اللهفة فى البيع ، وستجد أن جميع المحال تتخذ الطريقة الأوربية والأمريكية فى العرض ، وتدخل المحل وتجد كل شىء تحت نظرك محدود السعر ، فإذا أخترت شيئا لفته لك البائعة فى ورق جميل ناعم ، وانحنت وهى تسلمه لك وابتسمت ..

والعمال فى هذه المحال من الشبان والشابات ، ولكن الغالبية من الجنس الناعم ..

وفى شارع جنزا ثلاثة محال تجارية كبيرة ، فيها كل شىء وهى تغنيك عن أية جولة أخرى فى المدينة بقصد التسوق ، وهى من ثمانية وتسعة أدوار ..

وتصعد إلى الأدوار العليا بالمصاعد والسلالم الكهربية ، وهى محال فخمة كبيرة أروع من محال هونج كونج وأفخم ، وهى منسقة تنسيقا رائعا وتدخل وكأنك تدخل مدينة عامرة بمختلف الأصناف والسلع ، وفى هذه المحال كل ما تنتجه اليابان ، وكل ما يأتى من الخارج ..

وتجد البائعات فى زى واحد جميل ، وكثير منهن يعرف الإنجليزية والتى تريك البضاعة هى التى تأخذ منك الثمن وهى التى تلفها لك ، ويتم هذا فى سرعة وخفة فى الحركة والعمل ، وإذا وجدتك مترددا فى الاختيار ..

قالت لك فى رقة :
ـ شرفنا بعد الظهر ستجد أصنافا جديدة ..

وبعد أن تصعد كل هذه الأدوار العليا ، وتجول هذه الجولة الطويلة فى المتجر ستحس بالجوع ، ويمكنك أن تتغدى فى الطابق التاسع فهناك مطعم كبير من الطعام الأوربى ، والطعام اليابانى ، ولا يكلفك الغداء أكثر من ستين قرشا ..

وبعد الغداء تترك السلم الكهربى وأنت نازل ، وتتجه إلى المصعد لأنه أسرع ، وتدخل المصعد ، وبعد أن تغلق الفتاة الباب تسمعها تتحدث ويخيل إليك أنها تحادث نفسها ، ولكنها تكون فى الواقع ترد على النداءات فى الطوابق الأخرى ..
ـ إننى مشغولة ..
ـ سأقف فى الدور الرابع ..
ـ المصعد ممتلىء ..
ـ عندنا مكان لسبعة من الركاب فقط ..
ـ بتكلمى مين يا بنت ..
قالها بدران الضاحك بالعربية ..
فردت عليه بعينيها ..
ـ مش بكلمك ..
وضحكنا ..

وإذا كانت معك أكثر من ربطة ، وتريد أن تتخلص منها فى سهولة ، فإنك تتجه إلى إحدى العاملات بجانب الباب الخارجى ، وتترك لها اسمك وعنوانك فتصل هذه الأشياء إلى غرفتك فى الفندق بعد ساعة دون أى أجر ..

وتخرج إلى الشارع خفيفا ودون معطف ، لأن الجو دافىء فى النهار حتى فى الأسبوع الأول من ديسمبر ، وأنت لاتحس بالبرد ولا بالهواء القارس ، وإنما تحس أن الجو يدفعك إلى النشاط والحركة ، ولذلك لاتعجب وأنت ترى سكان طوكيو يسرعون فى المشى وفى كل عمل يؤدونه ..

والمدينة فى حركة مستمرة من السادسة صباحا ولا تنام أبدا فى ليل ولا فى نهار ، وعندما تغلق المتاجر والمطاعم والمقاهى الصغيرة تسهر الكباريهات إلى الصباح ..

وتستريح المدينة ساعة واحدة فى بكرة الصباح وهى التى يعمل فيها الكناسون ..

وقد ينزل المطر فى أى وقت حتى والشمس ساطعة ، ولكن المطر لا تأثير له على عمل الناس ولا على حركة المواصلات فى المدينة ، فشوارع طوكيو كلها مرصوفة بالبلاط الصغير والكبير ، ونظيفة فى كل ساعات النهار والليل ، والمدينة الضخمة لايمكن أن تعثر فيها على ورقة صغيرة ملقاة فى عرض الطريق ، والأشجار الصغيرة مغروسة على الجانبين ، والأزهار والورود الجميلة تراها فى كل مكان ، وعلى الأخص فى الضواحى ، لأن اليابانيين يعشقون الورود ..

وفى الساعة الحادية عشرة تشتد الحركة فى الشوارع ، وتبلغ المدينة مداها فى الحركة ، وتحس وأنت سائر فى الطريق أن اليابانى يقلد الأمريكى والأوربى فى زيه وفى انتاجه وقد يبزه ، على خلاف الصينى الذى يحب أن يحتفظ بكل طابعه وكل خصائصه ولا يقلد أحدا ..

***

والرجل اليابانى ، يرتدى البدلة على أحدث طرق التفصيل الأوربية والأمريكية ، وإذا اشتد البرد يضع فوقها المعطف ..

ولا يمكن أن تعثر الآن على رجل يابانى فى شوارع طوكيو .. يرتدى الزى اليابانى القديم ..

أما المرأة فترتدى الزى الأوربى والأمريكى عارية الرأس وترتدى زى اليابان الخالص الكومينو ، وفوق رأسها القبعة اليابانية العريضة ..

والأغلبية الكبرى من النساء ترتدى الزى الأوربى فى أناقة تامة ..

والمرأة اليابانية تسرف فى التجميل ، وفى الزينة .. وبيوت التجميل تراها بكثرة فى شوارع طوكيو ، ولكن بعض اللواتى يتجملن فى هذه البيوت هن من السائحات ..

واليابانية تتجمل فى بيتها ببراعة وصنعة ، وتساعدها بشرتها الناعمة على هذه الزينة التى أصبحت من لوازمها ، ومن طباعها ، حتى الفتيات الصغيرات فى المطاعم ، والمحال التجارية تراهن فى حفل من الزينة ..

والفتاة الحديثة فى طوكيو تقص شعرها وترتدى أحدث الأزياء الأوربية ، وتعرف لغة أجنبية ، وتفضل الزواج ، وهى صغيرة على التعليم العالى ، فإن نسبة التعليم الجامعى فى اليابان للبنات لا تتجاوز 7%

والمرأة اليابانية أحسن زوجة فى العالم ، وهى تتفانى فى خدمة الرجل والعمل فى البيت ، وتتحمل فى صبر عجيب كل ثورات الرجل وحماقاته ..

فالرجل اليابانى يسرف فى شرب " الساكى " وهو شراب وطنى يستخلص من الأرز ويوضع فى أوان خزفية ، ويشرب ساخنا فى أقداح صغيرة ، وهو شديد المفعول ..

واليابانى يشربه بكثرة ، ويفقد وعيه ، وتكون كل تصرفاته حمقاء ، ومع هذا لا تضيق به زوجته ، حتى إذا اتخذ من فتاة " الجيشا " خليلة فإنها تعرف أن هذه نزوة عارضة وأنه سيعود إليها ، وحتى إذا كانت تعرف أنه يذهب إلى بيوت البغاء الوطنية ، فإنه فى طوكيو وحدها 70 الف بغى ، وغالبية الذين يترددون على بيوت البغاء من المتزوجين ..

والفتاة فى اليابان تعمل من الثانية عشرة فى كل الأعمال الصغيرة وأجرها بسيط ، ولكنها إذا تزوجت فى سن العشرين ووجدت أن أجر زوجها يكفيها قعدت فى البيت ، فإنها تحب البيت جدا ، ولهذا تنسقه وتملؤه بالزهور ، وتحب أن يكون جو البيت كله هادئا ، وتشغل نفسها بتربية الأطفال وبخدمة البيت ..

فإذا عجز زوجها فى أى وقت عن الانفاق ، خرجت إلى العمل ، وتراها فى هذه الحالة قادرة على مزاولة كل حرفة ..

وفى طوكيو تشاهد الفتاة اليابانية الأرستقراطية الأصيلة تقود السيارة الفخمة وحدها ، ولا أحد يركب بجانبها ، وقد تكون مرتدية البنطلون ولكنها لا تدخن ..

وإذا دخلت مشربا فإنها لا تشرب الخمر ، وإذا شربت لا يكون الشراب عن رغبة فى نفسها ، وإنما مجاملة لك ..

وهذه الظاهرة تراها فى كل طوكيو ، حتى الفتاة التى تعمل فى الكباريه فإنها لاتحب الخمر ..

***

وإذا سرت فى الشارع وقت العصر ، بعد جولتك فى المحال التجارية فإنك تشاهد الجنود الأمريكيين والفتيات الأمريكيات .. ولكن اليابانيين لا يحبون الاختلاط بهم ..

واليابانى بطبعه لا يحب الاختلاط بالأجانب ، فالأجانب فى اليابان ، بصرف النظر عن جنود الاحتلال الذين كانوا يحتلون أماكن من طوكيو ومن غيرها ، لا يتعدون بضعة آلاف من الألمان والجنسيات الأخرى ..

***

وتشعر وأنت تسير فى الطريق بهزة ، وتتذكر ما قرأته عن كثرة الزلازل فى طوكيو .. إن المدينة يحدث بها ثلاثة وأربعة زلازل فى اليوم الواحد وقد تشعر بها وقد لاتشعر بها ، ولكنه شىء عادى ومألوف وأنت تنظر إلى العمارات الشاهقة الضخمة بنوافذها البلورية ، وتعجب ، ولكنهم لا يتعجبون مثلك ، وإذا حطمتها الزلازل سيبنون غيرها بسرعة ، إن قلب العاصمة يجب أن يكون هكذا ، ولكن البيوت فى أطراف المدينة من طابق واحد ومن طابقين بسبب الزلازل وكثرتها ومباغتتها ، وقد يكون بسبب الزلازل وتوقع الموت فى كل لحظة ، إن اليابانى يسرف فى الشراب ، وأن المدينة تظل ساهرة إلى الصباح ..

وإذا شعرت بالصداع ، قد يكون سببه التفكير فى الزلازل ، وشعرت بهزة أخرى وكانت قوية ، وتلفت فوجدت مقهى صغيرا ، على قيد خطوات منى فدخلت وجلست قريبا من الباب ..

ولم ألاحظ وأنا داخل أن هناك فتاة فتحت لى الباب وانحنت لى مرحبة وأن هناك فتاة أخرى جالسة على البنك رحبت بى أيضا بكلمات خرجت من شفتيها ، ولما جلست أدركت ما حدث ، وكان المقهى عبارة عن مكان صغير جدا من ثلاثة طوابق من الخشب المزخرف ، ومن هذه الطوابق الثلاثة طابق فى جوف الأرض ، وكانت المقاعد مريحة مغطاة بالقطيفة والجلد وعليها الحشيات ، والمناضد صغيرة واطئة وعليها الزهور وكان المكان كله مزخرفا ، وأينما نظرت وجدت رسما ، أو ستارة أنيقة ..

وبعد أن جلست بعدة دقائق جاءت إلىََّ فتاة تحمل إلىَ " فوطة " صغيرة يتصاعد منها البخار ، فمسحت بها وجهى ويدى ..

إن هذه الفوطة ، تقدم لك فى كل مكان فى الصين ، واليابان إذا دخلت أى مطعم أو مقهى ، وحتى عند الحلاق ، وشعرت بالراحة ..

ولكننى قلت للفتاة :
ـ لقد شعرت بالزلزال ..
فضحكت وقالت :
ـ تعال .. اجلس هنا واسترح ..
وغيرت مكانى ، واسترخيت على " كنبة " طويلة ..

كان فى هذا المكان الصغير حوالى 12 فتاة للخدمة ، وأربعة أو خمسة من الرواد ، ولا يمكن أن تسمع مع صغر المكان همسة ، وكان المقهى مكيف الهواء وبه جرامافون يرسل موسيقى حالمة يابانية وأوربية ..

وكنا بالنهار ، ولكنه كان مضاء بالقناديل الخفيفة الضوء ، لأن الستائر تحجب كل الأنوار الطبيعية الآتية من الخارج ..

ولا يوجد فى هذا المكان خمر لأنها قهوة صغيرة فقط cofee
ويمكنك أن تشرب فيها الشاى ، والقهوة ، والكاكاو ، والكوكاكولا ، وتجلس لتريح أعصابك ..

ومثل هذه المقاهى الصغيرة الحالمة كثيرة فى طوكيو ، وروادها فى الصباح كثيرون . وفنجانة القهوة أو الشاى بخمسة قروش ، والفتيات العاملات فى هذه المقاهى يرتدين الزى الأوربى ، وكل فتاة حرة فى اختيار الزى الذى يناسبها ، وهن دائما يرفضن البقشيش ، ومعظمهن يعرف الإنجليزية لا لأنهن يختلطن بالأجانب ، بل لأنهن تعلمنها فى المدارس ..

وسألتنى الفتاة :
ـ هل استرحت ..؟
ـ بعض الشىء ..
ـ إذا كنت لاتزال تشعر بالتعب أذهب إلى حمام تركى ..
واعتدلت فى جلستى ، ونظرت إليها فأنا أعرف أن هذه الحمامات مشهورة فى طوكيو ..

وسألتها :
ـ هل يوجد حمام قريب من هنا ..؟
ـ عشر دقائق بالتاكسى ، وسأكتب لك العنوان باليابانية لأن معظم السواقين لا يعرفون لغات أجنبية ..
وكتبت لى العنوان ، وأعطيته لسائق التاكسى فأسرع بى ..

والتاكسى فى طوكيو رخيص جدا فإنه يأخذ منك 70 ين ( سبعة قروش للكيلو مترين الأولين ، ثم ( 20 ين ) قرشين عن كل 570 مترا بعد ذلك ، وحمامات البخار فى طوكيو مشهورة ، وبطوكيو 25 حماما منها ، وهى حمامات أنيقة ونظيفة وبها كل العدد والآلات الحديثة لإزالة الشحم من الأجسام ، وتخليص الجسم من السموم بإفرازات العرق ..

وبقوم بالخدمة فى الحمام فتيات فى سن العشرين ، وكل حمام ينافس جاره فى جلب أجمل الفتيات فى المدينة ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



ليست هناك تعليقات: